أسئلة الحراك القادم في دول الخليج

تم نشره الثلاثاء 01st آذار / مارس 2011 02:45 صباحاً
أسئلة الحراك القادم في دول الخليج
ياسر الزعاترة

 
 

 

في إحدى الدول الخليجية وقف ناشط سياسي في أحد المساجد وألقى كلمة حيا فيها الشعب التونسي على ثورته الرائعة ، فما كان من السلطات سوى اعتقاله بعد خروجه من المسجد ، مع التذكير بأن هذا وأمثاله من القلة الذين يتجرؤون على معارضة السلطة نهبا للسجون والتهم الأخلاقية (نعم الأخلاقية) طوال السنوات الماضية.

قادة الدولة المذكورة لديهم عقدة مزمنة من الإخوان المسلمين ، وفي وثائق ويكيليكس حشد من الرسائل التي تشير إلى هذا البعد ، ويصل الأمر بأحدهم حد التحريض على الحركة وسائر فروعها في العالم العربي ، مع الفخر بالنجاح في ملاحقتهم واستئصالهم من وزارة التربية والأوقاف.

حدث ذلك بالطبع لأنهم الجهة الوحيدة التي همست بالمعارضة في تلك الدولة ، مع أنها لم تكن معارضة جذرية ، ولم تتحدث يوما عن الانقلاب على الأسرة الحاكمة ، وكل ما فعلته هو الحديث عن إصلاحات ، مجرد إصلاحات ، فكان الموقف الشرس منها ، الأمر الذي يبدو متوقعا ، فحين تسيطر مجموعة بعينها على السلطة والثروة تغدو أكثر نزقا في التعامل مع معارضيها بصرف النظر عن مستوى تحديهم لسلطاتها.

في دولة خليجية أخرى ، جرى استنفار حشد من مشايخ السلفية التقليدية ، ومن بينهم المفتي ، من أجل نزع الغطاء الشرعي عن الثائرين في تونس ومصر ثم ليبيا ، واتهامهم بأنهم دعاة فتنة ، وأنهم يخالفون منهج أهل السنة والجماعة (المنهج المذكور دعوة للخنوع بحسب هؤلاء) ، وتفنن كثير منهم في تعداد المفاسد التي تترتب على مثل تلك الأعمال ومن ضمنها المسيرات والاعتصامات ، ولم ينسوا بالطبع التنديد بإعلام الفتنة (يقصدون الجزيرة) ، مع ذهاب بعضهم أبعد من ذلك عبر التذكير بعمالتها للأجهزة الصهيونية التي تريد بث الفتن بين أبناء الأمة.

كل ذلك لم يجد نفعا ، فقد كان صوت العلماء الذين وقفوا إلى جانب ثورات الشعوب على الظلم هو الأعلى والأكثر إقناعا ، ومثله حشد من العلماء الذين ينتمون إلى ذات المدرسة السلفية (أكثرهم من طيف آخر من أطيافها) ، ووصل الحال بأحد المشايخ المشهورين إلى انتقاد إعلام بلده وما جرى في إحدى المدن جراء الأمطار ، الأمر الذي كلفه شطب برنامجه من محطة فضائية شبه رسمية .

في دولة ثالثة ، بادرت السلطات إلى تقديم منح للمواطنين ، لكن ذلك لم يجد نفعا بسبب الأزمة المذهبية المعروفة ، ثم أتبعت برؤى جديدة حول إصلاحات سياسية رفضتها المعارضة أيضا ، وها هي الأوضاع تمضي حثيثا نحو التصعيد الذي لا يعرف مداه في ظل إصرار المعارضة على استمرار التحرك الشعبي (استقال نوابها من البرلمان) ، مقابل دعم الكثيرين للنظام ، ووجود الأساطيل الأمريكية على أرضه.

في دولة رابعة كانت المنح التي قدمت للمواطنين غير مسبوقة من حيث كرمها ، مع أن هذه الدولة هي الأكثر تمتعا بالديمقراطية بين دول الخليج ، وإن لم يتوفر نظام حزبي واضح ، ويبدو أنها ستسعى إلى أن تغدو أكثر ديمقراطية وحرية من ذي قبل ، لاسيما أن تأثيرات ما جرى قد أخذت تترك مفاعيلها بهذا القدر أو ذاك ، بدليل دعوات في الإنترنت لحراك شعبي مطالب بالإصلاح.

الدولة الخامسة لا يمكنها أن تتجاهل الرياح التي هبت على المنطقة ، ولا يستبعد أن تبادر إلى شيء من الإصلاح في الأجل القريب بعد مظاهرات مفاجئة ، وهي مظاهرات قد تستمر في ظل غياب فرص التنفيس السياسي المعقول ، وفي ظل هيمنة الأسرة الحاكمة على كل شيء في البلاد. ولا يتوقع للهبات المالية ومن ضمنها الإعلان الجديد عن توفير فرص عمل أن تكون كافية لاستيعاب الموجة.

الدولة الأخيرة هي (قطر) ، أو دولة (الجزيرة) كما يسميها البعض ، وهذه ذكرناها بالاسم لأنها متهمة وفضائيتها بدعم التحركات الشعبية العربية ، ولأنها الأكثر تعرضا للهجاء من قبل الذين أصابتهم ثورات تونس ومصر وليبيا بالصداع ، وبالطبع لأن الجزيرة كانت شاهدا مهما عليها ، وعكست أصوات الجماهير في مواجهتها مع القمع.

في هذه الدولة ليس ثمة مشكلة ظاهرة بين الأسرة الحاكمة والشعب ، الأمر الذي يرده كثيرون إلى الوضع الاقتصادي الجيد للمواطنين ، واهتمام الأمير بالتنمية المحلية ، لكن ذلك لا يعني أن الرضا كامل على طريقة الحكم ، والسبب بالطبع أن قضية الديمقراطية والحرية والشفافية في توزيع الثروة لم تعد من الهوامش في وعي مواطنين يتعلمون في أرقى الجامعات.

خلاصة القول هي أن دول الخليج (على تفاوت بينها) تقف أمام استحقاقات بالغة الأهمية بعد ما جرى في تونس ومصر وليبيا وما يجري في اليمن وملامح الحراك الشعبي في الكثير من دول المنطقة ، وهي (أي دول الخليج) في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في طريقة الحكم وتوزيع السلطة والثروة ، لا سيما أن شعوبها قد بلغت مستوىً راقيا من الوعي والتعليم ، وسيكون من الصعب قيادتها بذات الآليات القديمة ، ما يعني أنه إذا لم تتوفر آليات جديدة للحكم ، فإن أصداء ما جرى في لن تكون بعيدة عنها بأي حال.(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات