الهلال والفيس بوك والابن الثاني

يحفل المشهد الحالي للثورات العربية المتواصلة بمفارقات لافتة تحمل العديد من الدلالات السياسية, ومنها على سبيل المثال:
1- الهلال: من مصادفات هذه الثورات أن الهلال بات يشكل رمزا مشتركا. فالهلال ظل يتوسط العلم التونسي بالرغم من عقود العلمانية التي سيطرت على هذا البلد. وعاد الهلال ليخفق مع الصليب في ميدان التحرير ابان الثورة المصرية. وبعد اندلاع الثورة الليبية عاد العلم الليبي القديم والهلال في وسطه يرفرف مجددا في ميادين هذه الثورة.
و كما يلاحظ فإن البلدان الثلاث (تونس ومصر وليبيا) كما كانت جزءا من ولايات الهلال العثمانية مرشحة أيضا لتكرار تجربة الاسلام التركي الجديد الليبرالي. والمفارقة هنا هذه العلاقة بين الطابع الديمقراطي للثورات المذكورة وبين الهلال (الديني) كرمز سياسي لها, بل قد نجد أنفسنا في غضون الأعوام المقبلة أمام روابط سياسية متميزة بين تركيا وبين أفريقيا العربية.
2- الابن الثاني: فما هي حكايته في الجمهوريات العربية التي شهدت أكثر من ثورة و انتفاضة. فالطاغية المصري المخلوع كان يحضر ابنه الثاني لخلافته, وكذلك طاغية ليبيا (جمال مبارك وسيف الإسلام) ومثلهم الابن الثاني للمرحوم رفيق الحريري وهكذا... وذلك علما بأن الإبن الأول لم يقل رغبة في وراثة والده (علاء مبارك ومحمد القذافي وبهاء الحريري).
الجدير ذكره هنا أن الاهتمام بالابن الثاني هو تقليد يهودي بامتياز. فسفر التكوين يحتفي بهابيل الراعي, وابراهيم انحاز لابنه اسحاق بدل اسماعيل, واسحق بدوره انحاز ليعقوب بدل عيسو, ويعقوب انحاز ليوسف وهكذا ...
3- الفيس بوك: لا يستطيع أحد أن ينكر دور الفيس بوك وتويتر واليوتيوب في تعبئة الشباب الذين قادوا الثورات الشعبية العربية, وكذلك محطات ومواقع اعلامية معروفه و على رأسها الجزيرة. إلا أن المبالغة في احتكارها لهذا الدور تؤدي على خلق صنمية جديدة تحال عليها واليها كل الفضائل والرذائل وضبط حركة التاريخ والواقع على هذه الساعات الالكترونية الجديدة. كما أن على الجميع أن يتذكر أن الغالبية الساحقة من الفقراء وأصحاب المصلحة في الثورة نادرا ما يستخدمون هذه الوسائل ويتواصلون من خلالها.
والأدق أن نميز بينها كأدوات مهمة للاتصال وبين حركة الواقع والمصالح على الأرض التي يغذيها القمع والقهر وإهدار الكرامة الشخصية والوطنية, كما أن قطاعات الشباب التي قادت وفجرت الثورات الأخيرة ليست هي نفسها معزولة عن الحراك الاجتماعي الحي فضلا عن الاعتبارات السياسية الاقليمية والدولية الأخرى.
(العرب اليوم )