ظاهرة من خمسمئة كلمة!!

اذا كانت المقالة خمسمئة كلمة تسير على الورق وترفع شعارا بمفردات مترادفة فمن العيب على صاحبها ان يورط مصححها وطابعها وناشرها وقارئها بأمر كان من الممكن له ان يمارسه في مسيرة أو مظاهرة ، فيكتب بقدميه ما كلف نفسه وكتبه بيده..
وليس معنى ذلك أننا نفك ارتباطا عضويا وثقافيا بين ما يردد في مظاهرة وما يقال بشكل غير مباشر في مقالة او قصيدة ، لكن اللحظة الآن تتطلب على امتداد تضاريس الوطن العربي وخطوط الطول والعرض الايديولوجية تحالفا استراتيجيا بين العقل والقلب ، فنحن جربنا مرارا التفكير بالقلب وحده ودفعنا الثمن ، وبصراحة اكثر فان ما نسميه (القرفية) وهو اللقاح الذي مهر أكتافنا واذرعنا منذ الطفولة ، لدي أنا شخصيا لقاح آخر بالجوار منه وهو ليس الجدري أو الكوليرا لكنه ضد التضليل والخديعة ، فقد مرّ بنا زمن سمعنا فيه باعة الصحف على الارصفة ينادون اقرأ آخر اخبار العراق بعشرة قروش ورأينا أناسا أميين يخططون بأصابعهم على التراب وهم يرسمون الخطط العسكرية وكيف ستكفي حفنة من تراب ليصيب التكنولوجيا الامريكية كلها بالعمى..
سمعنا أناسا يقولون بأنهم أصغوا للماعز وهي تثغو باسم هذا الزعيم أو ذلك الجنرال ، وكدنا نصدق أن بعض الصور لزعمائنا رسمت على سطح القمر..
ثم فقدنا بلاداً وشرد عباد واستبيحت فلسطينات اخرى بعد أن كنا بواحدة فقط،
ونحن في حل من الاحتراز أو الاستدراك بالقول ان الشعوب الخاضعة والمقيدة لا تدافع عن اي شيء ، وان الديمقراطية هي أقوى الكتائب المسلحة في الدفاع عن الاوطان لكن اذا كان التلويح باعادة احتلالنا لتحريرنا من بعضنا صحيحا فان ما سوف نخسره الى الابد هذه المرة هو حريتنا واستقلالنا نحن نكسر ثلث مليار جرة فخار وراء من يرحلون اذا كان الزمن قد أنهى صلاحيتهم ، ولكننا لن نكسر غير رؤوسنا هذه المرة اذا تكررت الدراما العراقية ، فمن زمروا وطلبوا للأمريكيين يدركون الآن رغما عن أنوفهم بأن الرهان خسر وأن من لا يحرره ذراعه سوف يبقى عبدا للأيدي التي تحرره.. لأنها سرعان ما تغير أسلوبها من المصافحة إلى الصفع،
وبعض ما يكتب الان بل اكثره هو مجرد صدى ، والكتابة ليست ترديدا ببغاويا لهذا الصدى.
نحن باختصار بعد كل ما كابدناه في هذا الجحيم العربي ، ظلما من ذوي القربى وغزوا من ذوي البعدى نريد الحرية والاستقلال معا ، وبالقدر ذاته فهما توأمان خالدان ، وحين يصبح احدهما ثمن الاخر فلا قيمة لكل الدم الذي سال من اجلهماَ،
وقد تكون المقالة مظاهرة ايضا لكن على طريقتها بحيث يتعانق القلب والعقل كما تتعانق الايدي ، فما ينتظرنا في صباح اليوم التالي لاي رحيل.. هو اعادة بناء ، تشمل الانسان الذي شوهوه خلال عدة عقود واعادة صياغة لكل ما يجعل حياتنا تستحق ان تعاش ، فالثورة ليست مهنة ، وكذلك الكتابة اذا كانت محررة من ثقافة التأجير والاعارة وحك الظهور الجرباء،
كم نحن العرب بحاجة الى لقاح او قرنية كتلك التي مهرت اكتافنا ضد الجدري منذ الطفولة ، لكن اللقاح الجديد المطلوب هو ضد التضليل والخديعة وفلسفة الاستعمار من اجل الاعمار والتحرير،،