جرائم "أمن الدولة" لا تسقط بالتقادم

تم نشره الثلاثاء 08 آذار / مارس 2011 03:03 صباحاً
جرائم "أمن الدولة" لا تسقط بالتقادم
ياسر أبو هلالة

هل ثمة فرق بين اقتحام سجن أنصار في جنوب لبنان أو اقتحام مقرات أمن الدولة في مصر وتونس؟ هل شعر المواطن أن مؤسسة وطنية تتعرض للانتهاك، أم أنه يشعر بتحرير ثكنة معادية ذاق منها ما لم يذقه من العدو الأجنبي؟ لا أنسى مشهد مقر الأمن في حي التضامن في العاصمة التونسية؛ من شدة غضب الناس على "الأمن" لم يكتفوا بحرق المقرات، بل حطموا جدرانها وبلاطها.

كنت أعد تقريرا عن المراقبة الإدارية للسجناء بعد الإفراج عنهم في بنزرت، عندما قررت الحكومة التونسية حل جهاز أمن الدولة. وهو ما يشكل خطوة أولى في إنصاف ملايين التونسيين الذين تضرروا بشكل مباشر وغير مباشر من تلك الأجهزة التي لم تكن لها وظيفة غير حماية العصابة الحاكمة من خلال تدمير حياة أحرار تونس.

اعتمدت بشكل أساسي على التقرير الذي أصدره مناضلو التحالف الدولي لدعم المساجين السياسيين في تونس العام الماضي. وهو يرصد فظاعات لا تخطر على بال بشر. فانتهاك حقوق الإنسان يفترض أن ينتهي بخروجه من السجن أو خروجه من الدنيا. في ظل نظام بن علي كانت الانتهاكات تتفاقم بخروج السجين من السجن، ولا تنتهي بوفاته، وتمس كل من له علاقة به.

في بنزرت تفوق مأساة عبدالرزاق بربرية مأساة البوعزيزي. وهي تفسر أن الثورة لها شروط تكتمل في لحظة تاريخية. بربرية من مناضلي حركة النهضة، أمضى خمس سنوات في السجن. لم يكتف نظام بن علي بالتعذيب في السجون، وإهانة زوجته ووالده في غضون الزيارة والحرمان منها.

بعد أن أفرج عنه، تولى جهاز الأمن مهمة التنكيل به بطريقة منهجية مدمرة. كانت المراقبة الإدارية تقتضي التوقيع ست مرات في اليوم. في أثناء التوقيع يقف على الباب ويتعرض للصفع والضرب والإهانة، أو يطلب منه المغادرة والعودة بعد نصف ساعة تحت حر الشمس، ويمنع من الانتظار في مكان قريب. في الأثناء تتعرض العائلة والأطفال للترويع المستمر من خلال المداهمة الليلية. صبر عبدالرزاق على كل ذلك. ما لم يصبر عليه عندما طلبوا منه إحضار زوجته أثناء التوقيع في المركز الأمني. وتتعرض معه للإهانة، ويهدد بعرضه. توصل عبدالرزاق لاجتهاد فقهي يقضي بأن ينهي حياته، ويموت دون عرضه. فموته سينهي التهديدات للزوجة والأطفال. وهذا يذكرنا بانتحار عدد من معتقلي غوانتنامو الذين حصلوا على فتوى تبيح قتل النفس مثل العمليات الاستشهادية. ظل في آخر أسبوع يسأل زوجته "سامحتني؟" فتجيب نعم. ذهب لسور بنزرت التاريخي وصلى ركعتين وألقى بنفسه عن السور مكبرا على نظام لم يرحمه ولم يرحم أطفاله ولا زوجته ولا شيبة والده. كان ذلك العام 1997 ولم تسمع صرخته يومها.

الملاحقة استمرت في الجنازة، أجبر ذووه على دفنه ليلا من دون مشاركة من الجيران والأقارب. أسوأ من ذلك، ظلت الزوجة تتعرض للتحقيق حول مصادر تمويل العائلة. قالت لهم أنا أعمل محاسبة، وارحموا الأطفال ومنهم معاق، فرد رجال "أمن الدولة" إن والدهم لم يرحمهم ونحن لا نرحمهم. تفوقت بنته وحرمت من الابتعاث، وعوقبت بالسكن الجامعي. لكنها تخرجت بتفوق، وكان الأمن يسألها عن سبب تفوق ابنتها!

قصة من آلاف القصص المأساوية، تكشف أي جرائم ترتكبها تلك الأجهزة التي تستحق المحاسبة والمساءلة، لا الحل فقط.(الد)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات