الثقافة الابوية وإرادة التغيير

الثقافة التربوية للشعب العربي في معظم اقطاره هي ثقافة ابوية تتميز باحترام عميق للاب في الاسرة الصغيرة, او للشيخ في القبيلة والعشيرة, او للحاكم في الدولة العربية, هذا الاحترام الممزوج بشيء من الرهبة ناتج عن ثقافة تربوية جماعية تؤمن بان الاب المسيطر هو حامي الاسرة والابناء, هو الواهب والحاجب, هو المرجعية النهائية, وهو عمود خيمة الاسرة ان وقع او غاب وقعت الخيمة على رؤوس الابناء وحل الشقاء مكان الطمأنينة والاستقرار والرخاء.
ومع ان الابناء يدركون ان الاب او الشيخ او الحاكم هو في معظم الاحيان سلطوي يفرض ارادته الفردية على ابنائه باساليب مختلفة, الا انهم بسبب ثقافتهم الابوية, يسكتون عن اخطائه او يهمسون لبعضهم بها, لكن شعورهم باذى الاب لا يصل ابدا الى درجة التفكير بتغييره او الحلول محله, في هذه الثقافة تغيير الاب امر مستهجن لان تغييره قد يكون محفوفا بالمخاطر التي قد تهدم الخيمة وتجلب الاسوأ في تقديرهم! الثقافة الابوية, الواعية وغير الواعية قد تنادي باصلاح الاب لكنها لا تنادي ابدا بتغييره.
ولان ثقافة الاب العربي (الشيخ, الحاكم, الرئيس.. الخ) لا تختلف بل تتناغم مع الثقافة الابوية عند اسرته, فان اهم ما يميز علاقته بالابناء والاسرة شعوره او ايمانه انه مسؤول عن تربيتهم وضمان حيويتهم, وتأمين حمايتهم, لكن مقابل طاعتهم شبه الكاملة ورضوخهم لارادته وسماعهم لكلمته, وبذلك فان اي خروج عن طاعته يعد ضربا من العقوق في تقديره يبعث تفكيرا بضرورة اعادة تربيتهم بوسائل تتأرجح بين اللين والشدة.
الاستغناء عن الاب الحاكم في تونس ومصر كان ممكنا وسهلا لان شعوبهما اقل قبلية واكثر مدنية في تركيبتهما الاجتماعية وبالتالي اكثر ابتعادا عن الثقافة الابوية, تغيير الحاكم في البلاد العربية الاخرى يتطلب التخلي عن الثقافة الابوية الشعبية اولا.. امر لا يتم بالعادة إلا مع تحول المجتمع من واحد قبلي الى جديد مدني, اما القبائل التي تشذ عن هذه القاعدة وتناضل من اجل تغيير الحاكم فهي تلك التي تخلت عن الثقافة الابوية واصبح تفكير رجالها اقرب الى الثقافة المدنية.
(العرب اليوم(