الموت القادم من الشرق

طرحت الثورات العربية المستمرة ولا تزال تطرح سؤالا يبدو غريبا أو مفاجئا, وهو من يحكم أو من كان يحكم مصر وتونس وليبيا واليمن وغيرها, ذلك أن طيف المشاركين في هذه الثورات طيف عريض وواسع للغاية, فمن الديمقراطيين المشغولين بقضايا حقوق الانسان والحريات والمجتمع المدني الى الاسلاميين بكل ألوانهم المعتدلة والمتطرفة الى اليساريين بكل خلفياتهم الأممية الى القوميين العلمانيين والقوميين الاسلاميين والقوميين الاشتراكيين والمعتدلين, ومثلهم طيف اجتماعي عريض من العمال الى الفلاحين الى الطبقة الوسطى الى قطاعات واسعة من بقايا البرجوازية الوطنية الصناعية.
في الأصل أن الصراعات السياسية في النظام الرأسمالي المعاصر صراعات بين قوى ايديولوجية أو صراعات طبقية ولكن ما حصل في بلادنا العربية أن الغالبية الساحقة من هذه القوى تشارك وبمستويات مختلفة من الحماس والمصالح في الثورات المذكورة, فما هي طبيعة الحكم والحكام الذين استعدوا كل هذا التحشيد ضدهم.
بالاستعارة المتكررة لما قاله المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري حول تحالف القبيلة-الغنيمة وسيطرته على الحكم بأقنعة طبقية واقتصادية وسياسية فإن شيئا من الإجابة كامن في هذه الاستعارة. ولنا أن نقول أن الثورات المذكورة لم تندلع ضد أنظمة بالمعنى المعاصر بل ضد عصابات عائلية نهّابة سرّاقة تسّوق نفسها كما لو أنها أنظمة سياسية نمطية بالاعتماد على أجهزة بطش أشبه بالمرتزقة منها إلى الأمن الوطني الحقيقي.
وليس بلا معنى أن يرفع شباب الثورة الليبية شعارا معبرا للغاية هو "الشعب يريد انشاء النظام", فما من نظام أصلا ليطالبوا باسقاطه. والفرق بين تجربة العقيد في ليبيا والاخرين هو في الأقنعة فحيث ادعت العصابات الحاكمة السابقة أنها تدير نظاما وبرلمانا مفروضا بانتخابات مزورة اخترع القذافي قناعا مختلفا لعصابته وهو استبدال نظام السنوسي بجماهيرية كوميدية لم تكن في الواقع سوى عصابة عائلية لنهب ليبيا والسيطرة عليها.
ولتقريب الصورة أكثر نذكر الجميع بالمسلسل الذي أخرجه نجدت انزور تحت عنوان الموت القادم من الشرق فهو خير من يلخص هذه الحالة وحبذا لو أن محطة عربية ما تعيد بث هذا المسلسل.
ولمن فاته المسلسل المذكور فقد قدم صورة طبق الأصل عن أنظمة الطغاة التي سقطت وتلك التي تترنح تحت ضربات الثورة الشعبية, وملخصها كيف تمكنت عصابة من اللصوص من سرقة السلطة وقدمت نفسها كرجال دولة وأدارتها بأقنعة مختلفة كان هدفها الحقيقي نهب البلاد والعباد وسرقة ثرواتهم من خلال الأكاذيب والحديد والنار وترويع الأهالي الذين كسروا حاجز الخوف في النهاية وحرروا أنفسهم وبلادهم.0
(العرب اليوم)