أين الخطوط الحمراء ؟

نعيش هذه الأيام مرحلة من السيولة وعدم الانضباط. وهناك انطباع عام بأن المسؤولين في الحكومة والقطاع الخاص جاهزون للاستجابة لجميع المطالب، سواء كانت عادلة وقانونية أو لم تكن، ومن هنا نجد كثيرين في حالة اعتصام، بعضه يقع في باب الابتزاز.
كان الاعتصام خطوة أخيرة للمظلومين بقصد لفت النظر لعدالة قضيتهم، ولكن أصبح الآن الخطوة الأولى للطامعين في مال الدولة وأرضها ووظائفها وإعفاءاتها وبعثاتها وعطاياها. القاعدة: اعتصم ثم طالب. كما أصبح التصعيد كلمة دارجة في اللغة اليومية.
المؤسف أن طلاب الشعبية جاهزون لتأييد كل المطالب وكل الاعتصامات ولو كانت مطلوبة من جسد الوطن ودمه، وليس هناك من يقول للمتعسفين: لا.
وتحت اسم تحفيز الاقتصاد أصبح مطلوباً من الدولة أن تقدم إعفاءات من الضرائب والرسوم، وأن تدعم المواد الغذائية والمحروقات والأعلاف، وأن تثبت أسعار السكر والأرز والشاي والقهوة بصرف النظر عما يحدث في السوق العالمية، وأن تدفع نصف سعر الفائدة عن بعض فئات المقترضين، وأن ترفع الرواتب.
لا بد من رسم خطوط حمراء يقف عندها الجميع، لأن تجاوزها يشكل اعتداء على مصلحة الوطن.
لا يجوز مثلاً المطالبة بما يرفع عجز الموازنة العامة، لأن الزيادة تعني الغرق في المديونية، والنتيجة أزمة خانقة يدفع الناس ثمنها كما دفعوا ثمن أزمة 1989.
ولا بد من التقيد بالقوانين والأنظمة والمعايير الدولية، لأن مخالفة هذه الضوابط تعني شريعة الغاب والتراجع الاقتصادي وخسارة مركز الأردن كبلد جاذب للاستثمارات العربية والأجنبية.
موضة الاعتصامات أصبحت قديمة، ولا تحرك مشاعر إيجابية لدى الرأي العام، والتصعيد ليس أكثر من تهديد بإلحاق الأذى بالمصلحة العامة، والمسيرات الأسبوعية أصبحت مجرد استعراض روتيني أمام كاميرات المحطات الفضائية، لا تخدم سوى إعطاء الانطباع بعدم الاستقرار، واهتزاز الثقة العامة، وتجميد حركة الاستثمار الداخلي والخارجي، وبالتالي الركود والانكماش الاقتصادي الذي يدفع ثمنه الناس.
كثيرون قطعوا الخطوط الحمراء وكثيرون يتحفزون لقطعها، وقد جاء الوقت لمراجعة النفس، صحيح أن لنا حقوقاً ولكن علينا أيضاً واجبات، وقد أعطانا الوطن كل ما يستطيع فلا نحمله فوق طاقته.
(الراي)