ماذا لو قلنا الحقيقة؟

يسري همس في المكاتب الحكومية حيال قلق المسؤولين من الأوضاع الاقتصادية، في ظل تصاعد حراك الاحتجاجات والاعتصامات في مختلف مناطق المملكة.
ويزيد المسؤولون من تحفظهم، مفضلين الحديث عن حجم المشكلة الحقيقية في الأماكن المغلقة، في سبيل إخفاء مشاكل والتخفيف من مشاكل أخرى.
سياسة الصمت والسكوت والسعي لتقليص حجم المأزق الاقتصادي تنمو وتتصاعد في ظل ظروف يومية تعكس تراجعا كبيرا واتساعا للمشاكل الاقتصادية.
ووسط حالة الحراك التي تمر بها المملكة والمنطقة في اللحظة الراهنة التي توصف بالدقة والحساسية، وما تلقاه المنطقة العربية تحديدا من اهتمام غربي تبدو الأجواء مواتية لمزيد من الانفتاح على الرأي العام محليا وإقليميا وعالميا، حتى يدرك الجميع من دون مواربة خطورة الوضع الاقتصادي الذي نمر به.
فالشفافية المقترحة والكشف عن الحجم الحقيقي للمشكلات المالية مثل العجز والدين، تساعد البلد ولا تحرجها كما يعتقد بعض المسؤولين ممن آثروا التخفيف من حجم المشكلة وإخفاء حجمها الحقيقي، خصوصا وان بحثا وتحليلا سطحيا يؤكد أن العجز المالي الذي نعاني منه اليوم وسنعاني منه حتى نهاية العام أعلى بكثير، مقارنة بالأرقام التي تصدرها وزارة المالية.
ايجابيات قول الحقيقة، ستسهم بلا شك بتقدير حجم المشكلة الكبير وتزيد تفهم الشارع لحجم المشكلة، وتساعد بشكل غير مباشر على تخفيف وتيرة المطالب الشعبية من توظيف وغيره، والتي تعلم الحكومة مسبقا أن الاستجابة لها يشكل نكسة في الوضع المالي نتيجة العبء الكبير الذي تفرضه على فاتورة الرواتب التي ارتفعت بمعدل قارب 70 % خلال السنوات الخمس الماضية. كما أن تحديد حجم القيم الواقعية للأرقام يعطي العالم الخارجي تصورا واضحا حول مستوى سوء الأوضاع والذي تراجع منذ نهاية العام الماضي بسبب حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الماضية وكلفت الخزينة مبلغ 420 مليون دينار.
ومن ناحية أخرى يساعد الحديث بصراحة بالحصول على مساعدات إضافية من دول عربية وأجنبية في هذه المرحلة الصعبة التي يتابع العالم باهتمام ما يجري في الأردن، للمساهمة بالتخفيف من وطأة المشكلات وتبعاتها الخطيرة إن نحن مضينا في مثل هذه السياسات.
أما الإصرار على تجميل الصورة فلن ينفع يوم لا ينفع الندم، حينما نجد أن حجم المشكلات يهدد بردم المنجزات، والاستمرار في إخفاء الحقائق لن يسهم بتغطية المبالغ المادية التي تدفعها الحكومة مقابل قروض موارد أو تغطية المبالغ المالية التي تتكبدها الحكومة يوميا جراء انقطاع الغاز المصري الذي لا يدري احد متى يعود.
والتحذير من مخاطر التوجهات الحالية، يأتي في إطار التوقع والتحليل العميق للمعطيات القائمة الحالية، حيث لا يقدر احد أن ينفي أن الخزينة تدفع كل يوم مبلغ 3 ملايين دينار لتغطية الزيادة في كلف توليد الكهرباء.
منافع الإفصاح والاعتراف تحقق نتائج أحسن بكثير من تلك المتوقعة من الأسلوب الحالي على المستويين الداخلي والخارجي، لإقناع من في الداخل بان لدى الحكومة ثنائية خطيرة لا تمكنها من اتخاذ قرارات غير رشيدة بهدف البحث عن الشعبية من جانب، وتدعو من في الخارج إلى الالتفات أكثر لما يحدث لدينا. إذا كان لدى الحكومة ما لانعرفه وتجري حساباتها وفقا لمعلومات غير معلنة فإن الشفافية تتطلب الكشف عنها وتفسير الأرقام.(الغد)