الرصاص المصبوب من أشاوس الاحتفالات المجنونة

لم تكن الطفلة الرضيعة جود رامي الخطيب أولى ضحايا جنون الاحتفالات "المسلحة" في ديارنا العزيزة ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة ، فمن دون وسائل ردع حقيقية ، مع تغير جوهري في العقل الجمعي والفردي ، فإن هذا النزيف الإنساني الذي يرهق مشاعرنا بين حين وآخر سيتواصل من دون شك.
كانت جود الخطيب التي أكملت عامها الأول بين يدي والدها في حي نزال ، وبجوارها الأم حين اخترقت الرصاصة الغادرة رأسها وتفجر دمها بين يدي الأب المسكين ، والأرجح أن "بطلا" عظيما أراد أن يستعرض عضلاته أمام قريباته اللواتي يطلقن الزغاريد ، فعمد إلى مسدسه أو رشاشه مطلقا صليات من النار في الهواء.
كانت إحدى الرصاصات من نصيب الطفلة جود حيث استقرت في رأسها لتتركها في غيبوبة لا يعرف ما إن كانت ستفيق منها أم ستلقى ربها ، أم ستبقى على حالها كما حصل مع آخرين من قبل.
في سياقات أخرى كانت نتيجة الرصاصة هي العيش في غيبوبة لسنوات طويلة ، بينما توفي آخرون أو حصلوا على عاهة دائمة ، والنتيجة أن قيّد الأمر ضد مجهول كما هي العادة.
أقسم لو أن هناك في الدنيا عدالة بالمعنى الحقيقي للكلمة لأجريت تحريات في كل واقعة من هذا النوع لإلقاء القبض على كل من أطلق الرصاص في تلك الساعة ، وليكونوا جميعا شركاء في الجريمة ، مع محاولة التحديد بحسب نوع الرصاصة.
لكن ذلك لن يوقف مسلسل الضحايا ، وما يوقفه حقيقة هو عقاب يطال كل من يطلق الرصاص في الهواء ، بصرف النظر عن المناسبة التي يحتفل بها ، أكانت عرسا أو "توجيهي" أو أي شيء آخر ، وبصرف النظر عما إن كان أحد قد أصيب به مباشرة أم لا.
كيف يهنأ من أطلق الرصاص بالعيش بعد أن يرى صورة الطفلة في الصحف ، وهي مسجاة والأنابيب تخرج من جسدها الغض ، بينما يفيض وجهها بالطهر والبراءة؟
حتى متى تتواصل هذه المهزلة الأخلاقية التي تحاصرنا على هذا النحو ، وكيف تعجز الجهات المعنية عن ملاحقتها والحد منها ؟
من المؤكد أن المسؤولية لا تقع على عاتق الأجهزة الأمنية وحدها ، إذ أن الجميع مسؤول عنها. أعني كل من يسكت على هذا المنكر بحسب موقعه ، حتى لو كان مواطنا عاديا يشارك في مناسبة لأهله أو أقاربه ، فضلا عن الخطباء وأهل الرأي.
يا من تحتفلون بهذه الطريقة البائسة: اتقوا الله عز وجل ، وكفوا عنها ، ففي ذلك عدوان على الناس ، عدوان على أسماعهم حتى لو لم تقع إصابات ، فكيف حين يتوفر احتمال ولو بنسبة واحد في الألف أن تسقط الرصاصة على رأس طفل فتقتله أو تتركه معاقا أو في غيبوبة دائمة. واعلموا أن وجود احتمال من هذا النوع يجعل الجريمة أقرب إلى القتل العمد منها إلى القتل الخطأ.
يقول ربنا عز وجل: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها ، فكأنما أحيا الناس جميعا".
بقي أن نبتهل إلى الله أن يكرم الطفلة (جود الخطيب) بعاجل الشفاء ، وأن يجعلها آخر الضحايا بسبب الرصاص الطائش.(الدستور)