أوجاع الغزيين في الأردن

علاج أبناء غزة الذين يعيشون في الأردن ، ملف حساس ، وهو ملف إنساني ، لا تقف عنده أغلب الحكومات ، باعتباره شأنا لا يهمها أبداً.
أبناء غزة كانوا يحصلون على إعفاءات للعلاج من الديوان الملكي ثم تم إيقافها ، وفي فترة أخرى كانوا يحصلون على إعفاءات من رئاسة الوزراء ، إلا أنها أيضا توقفت ، وتم السماح في وقت لاحق عبر "التأمين الصحي" بإصدار إعفاءات لمرض أو مرضين.
الغزيون لا يحملون الرقم الوطني ، ولأجل ذلك لا يتم منحهم إعفاءً لعلاج ، أطفالهم وكبارهم وأفراد عائلاتهم ، رغم أنهم يعيشون بيننا منذ عشرات السنين ، وهم لا يطالبون لا بوزارة ولا سفارة ، وكل ما يريدونه فقط الحد الأدنى من الحياة الإنسانية.
الكثيرون من أبناء غزة يتزوجون من أردنيات ، والكثيرون أيضاً منهم يزوجون بناتهم لأردنيين ، والفقر والمرض حين ينخران البيت الغزي ستمتد آثارهما الى كل بيت في البلد ، لأن من يشاهد والده يتألم ولا يستطيع علاجه سيتحول الى مارد غضب وقهر.
هل نقبل لأمهاتنا وبناتنا الموت ألماً دون علاج ؟ وهل نحتمل هكذا وضع قد يتسلل الى أي بيت من بيوتنا ؟ ما شعور الإنسان وهو يرى والده - مثلا - يموت بين يديه لعدم قدرته على علاجه ومداواته؟ والأسئلة كثيرة.
بين يدي رسالة يقول فيها كاتبها: "نحن أبناء قطاع غزة الذين نقيم في الأردن ، ونحمل جوازات سفر أردنية مؤقتة ، مشكلتنا عدم تجديد الإعفاءات الطبية. وأنا رجل قمت بزراعة كلية في مستشفى البشير وكنت آخذ العلاجات اللازمة من أجل تثبيت الكلية المزروعة وعند مراجعتي الدورية من أجل أخذ العلاج لم يصرف لي الدواء لأن الإعفاء انتهى ، وعند مراجعة التأمين الصحي ، من أجل تجديد الإعفاء تم رفض التجديد إلا بوجود رقم وطني ، وأنا الآن أصارع الآلام والخوف من أن يرفض جسمي الكلية بسبب عدم وجود أدوية وهي أدوية باهضة الثمن وغير موجودة إلا في المستشفيات ، وهذه ليست مشكلتي لوحدي بل مشكلة أبناء غزة الذين ابتلاهم الله بأمراض مزمنة من سرطان وأمراض قلب".
إن الأردن الذي يرسل كل قوافل المستشفيات الميدانية إلى غزة ، التي عالجت عشرات الآلاف من الغزيين ، ويرسل كل قوافل المساعدات الإنسانية الى غزة ، من الأولى أن يعالج أبناء غزة في الأردن ، لأن هناك الآلاف منهم يعانون من الفقر والمرض.
أليس صعبا جداً أن يتألم الإنسان عندما لا يجد الدواء ؟ أليس من المؤلم حقاً أن تمتد يد الخير الأردنية الى داخل قطاع غزة فيما يتم ترك أبناء غزة الذين يعيشون في الأردن وكأنهم ليسوا من دمنا وعروبتنا؟
إذا كان القرار بعدم تغطية أبناء غزة صحيا يعود الى عدم وجود مخصصات مالية مثلا فالأولى إيجاد مخصصات مالية لعلاج هؤلاء أو البحث عن تمويل لتغطية علاجهم بأية طريقة كانت لأن المرض والموت لا يفهمان التبريرات التي قد تقال.
الشخص الذي شكا من وضعه الصحي في رسالته لم يترك باباً إلا وطرقه لكن دون فائدة وعنوانه موجود وهناك أعداد أخرى تتسول العلاج وتتسول كلفة مراجعة عيادة طبيب وربما تموت وهي لا تستطيع توفير كلفة عملية جراحية في مستشفى.
علاج الغزيين في الأردن ملف إنساني قيل فيه الكثير لكن لا أحد يسمع من المسؤولين ولا من أيدي الخير القادرة على اطلاق مبادرة ايضاً لتأمين علاج الغزيين من أمراضهم بدلا من ذرف الدموع على غزة واهلها فيما يتم ترك مرضاهم.
فوق كل هذا تأتي مليارات العرب والأردنيين والفلسطينيين ليتم تكديسها في المصارف دون أية فائدة لأحد. وسيأتي يوم يسأل الله الناس عما فعلوه بأموالهم بينما من حولهم يموتون جوعاً أو مرضاً أو قهراً.
لقد أسمعت لو ناديت حيا.(الدستور)