مخالفات دستورية

مؤخراً، قرر قاض في قضية صلحية نظر بها عدم تطبيق المادة 14/أ من نظام التأمين الإلزامي، حيث رأى فيها تعارضاً صريحاً مع مواد الدستور الأردني 101 و102 و103 الناظمة للسلطة القضائية. وقد انطوى قراره على موقف له ما بعده، لأنه نبه إلى مسألة بالغة الأهمية، طالما أشار إليها قانونيون ومحامون تتعلق بمخالفة الدستور في العديد من مواد بعض التشريعات في مستوياتها المختلفة من قوانين وأنظمة وتعليمات.
المخالفات لنصوص الدستور قد تظهر في القوانين أو الأنظمة أو لوائح التعليمات، كل على حده، لكن الأهم هو ما يظهر منها في القوانين. فإذا ما بدأت المخالفات في القوانين، أدت إلى مخالفات لاحقة تبنى عليها في الأنظمة الصادرة عنها، وتتبعها مخالفات أخرى في لوائح التعليمات الصادرة عن الأنظمة. ولأن الأنظمة الصادرة عن القوانين وكذلك لوائح التعليمات الصادرة عن الأنظمة تضعها السلطة التنفيذية من دون أن تنظر بها السلطة التشريعية، فإنه يصبح من الصعب كشف المخالفات الواردة في الأنظمة ولوائح التعليمات بسبب ضعف الرقابة القانونية في الإدارة التنفيذية للمؤسسات. وعلى ذلك تمضي المخالفات دونما تدارك لآثارها السلبية، ويبقى الأمل معلقاً على اكتشافها من قبل القضاء في حال عرضت عليه قضية تنطوي على مخالفة دستورية كما هو الحال في القضية التي أشرنا إليها. علما أن شبهة المخالفات الدستورية الأشهر والأكثر انتقاداً وجدلاً في الساحة القانونية هي تلك التي تثار حول القوانين المؤقتة لجهة الاختلاف حول مدى صحة إسناد صدورها للمادة 94 من الدستور. حيث ترى غالبية الجهات القانونية أن معظم القوانين التي أصدرتها الحكومات المتعاقبة وبخاصة في العقد الأخير، إن لم يكن جميعها، لم تأت في ظروف استثنائية تستدعي صدورها كقوانين مؤقتة. حتى إن بعض الحكومات كانت تلجأ لحل مجلس النواب لفتح المجال لها لإصدار تلك القوانين. وأكثر من ذلك كانت بعض الحكومات تنتظر انفضاض دورة مجلس النواب لإصدار قوانين مؤقتة، مستغلة عدم انعقاد المجلس ومتذرعة بأسباب لا يمكن أن ترقى إلى مستوى الضرورة والاستثناء.
لقد أمعنت حكومات بعينها في إصدار القوانين المؤقتة، وكلنا نتذكر أن حكومة واحدة أصدرت ما يزيد على مائتي قانون مؤقت خلال ثلاث سنوات، أي بمعدل سبعة قوانين في الشهر، وبما يقارب قانونين في الأسبوع الواحد. وقد ماثلتها في ذلك حكومة أخرى مؤخراً، إذ زادت قوانينها المؤقتة على أربعين قانوناً في سنة واحدة، آخرها أصدرته قبل ثلاثة أيام من استقالتها.
الإصرار على إصدار قوانين مؤقتة، وبهذا الحجم المذهل، يثير لدى الناس الشبهة. فإذا لم يكن ثمة داع حقيقي ومنسجم مع ما يحدده الدستور، فلماذا نصدر القوانين المؤقتة؟ ومن حق الجميع أن يسألوا: لمصلحة من تصدر، ولماذا هذا الإصرار الغريب على صدورها رغم ما فيها من شبهة تنصرف إلى خدمة أهداف خاصة ومصالح غير مصالح الوطن العامة؟ بل إن من حق الجميع أن يرى في صدورها فساداً إدارياً يستوجب النظر في أمره على نفس مستوى النظر في أمر الفساد المالي.
من نافلة القول أن تكون القوانين المؤقتة التي تحمل شبهة المخالفة الدستورية هي الأكثر احتواء لمواد مخالفة للدستور، ما يجعل من الضروري أن تتولى السلطتان التشريعية والقضائية برنامجاً خاصاً ومحدداً لمتابعة ما تتضمنه هذه القوانين والأنظمة واللوائح الصادرة عنها من مواد مخالفة للدستور، وذلك جنباً إلى جنب مع جهود مجلس النواب للنظر في هذه القوانين وإجراء ما يلزم عليها من استبدال أو تعديل من أجل تحويلها إلى قوانين دائمة.