حرب فضائية موازية!!

لكل فضائية عربية ليلاها التي تغني لها أو عليها ، وهناك فضائيات لم تر فيما يحدث في عالمنا العربي الملتهب غير البحرين ، وأخرى لا ترى غير ليبيا ، وثالثة لا ترى الا ما يكتب لها ونادراً ما يتاح للمشاهد العربي الحائر فضائية بانورامية ، بعيداً عن الاهواء الايديولوجية والحسابات الأرضية،
وما يقال عن ازدواجية المعيار التي اتسمت بها السياسة الامريكية خلال العقد الماضي على الاقل بلغت عدواه الفضاء العربي فما هو حرام في مكان حلال في مكان آخر وما هو قبة في مكان يتحول الى مجرد حبة والعكس صحيح ايضا.
لم يكن الفضاء العربي على طلاق بائن مع الارضيات واعلامها الجاهلي ، ولم تكن انفصالا عن جاذبية الواقع السياسي ، فهي أيضاً رهينة العقل ذاته والاساليب ذاتها ، منذ حلت تبادلية الهجاء والتقريع مكان الحوار العقلاني ، ومنذ أصبح لكل كلمة أجر.
ما يجري الآن تحت أقدامنا من خلخلة شاملة للنسيج أسرع من قدرة معظمنا على اللحاق به ورصده وتحليله والعالم العربي الآن ينشطر الى خطوط طول قلقة وترقبها مشحون بالحذر ومحاولات الاستباق ، وخطوط عرض متفجرة ، والربط بين كل هذه التضاريس يحدث أحيانا بشكل ميكانيكي ، وبناء على قراءة سطحية للمشهد الذي يجسده الشارع فما وراء الأكمات والكواليس أضعاف ما هو مشهود ، وأيامنا حُبلى وان كانت الآن على المفترق الحاسم بين ولادة طبيعية قابلتها التاريخ وولادات قيصرية،
الاعلام العربي رغم كل ما أحرزه من تقدم تكنولوجي ، وتطوير لأدواته بقي على حاله في المضمون ، وفشلت عمليات التجميل والمساحيق الكثيفة في اقناع الناس بأن الشيخ أصبح في ربيع العمر ، وان السخام قد أصبح رخاماً،
مثل هذه اللحظات الفاصلة في تاريخ الشعوب تقترن بها أعراض جانبية يجب ان تؤخذ في الحسبان ، منها تصفية حسابات ثأرية ومنها التعبير عن انفجار المكبوتات سواء كانت سياسية أو ايديولوجية أو حتى اجتماعية.
ان لكل حراك الآن بوصلته المحلية ولكل ساحة تحرير أو تغيير شجنها الخاص رغم المشترك الوجداني الذي يسعى الفضاء الملغوم الى خصخصته وأحياناً تسليط الاضاءة على زاوية من خشبة المسرح من أجل التعتيم على أخرى وأحيانا يلتبس الأمر على العين المتعبة الكليلة ، فترى الشروق غروبا أو العكس ، والعرب الآن لا يزالون في أول السطر من كتاب جديد ، وليس مجرد طبعة منقحة من كتاب قديم افقده التاريخ صلاحيته.
وإن كان الحراك الشعبي العفوي يحاول أن يجترح ويشتق طريقاً في الغابة والصحراء معاً ، فإن الحراك الاعلامي ليس كذلك ، إنه يعيد انتاج هذا الحراك وفق استراتيجيات قليلها محلي.. وكثيرها مرتهن ،،(الدستور)