ثورة «الفيسبوك» .. فلسطينياً

وفقاً لشباب "الفيسبوك" ومجموعاته ، فإن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة على موعد اليوم مع تظاهرات واعتصامات تدعو لإنهاء الانقسام...لا نعرف كيف سيكون التجاوب مع هذه الدعوة ، وكم من الفلسطينيين سيخرجون إلى الشوارع والساحات...ولا نعرف أيضاً متى ستستجيب القوى النافذة في غزة ورام الله لنداء الشعب أو كيف ستكون استجابتها...لكننا نعرف أن "قوى الأمر الواقع" هنا وهناك ، ليس لها مصلحة في إنهاء الانقسام وهي ستعمل كل ما بوسعها لادامته والتمديد له وإطالة أمد بقائه.
السلطة في رام الله ، تريد حراكاً شعبياً مضبوطاً ، لا يخرج عن حدود السيطرة ، ولا يحوّل ساحات رام الله ومدن الضفة إلى "ميادين تحرير" جديدة...والسلطة في غزة ، تنظر بعين الشك والريبة ، بل والاتهام لنداءات من هذا من النوع...وكلتا السلطتين تخشيان من تحول انتفاضة إنهاء الانقسام إلى انتفاضة تغيير النظام توطئة لانتفاضة إنهاء الاحتلال...فالوضع الفلسطيني الداخلي لم يعد يطاق ، في ظل اشتداد القبضة الأمنية على شطري الوطن المحتل والمحاصر ، مشفوعة بكل الحسابات والهواجس والتحسبات.
السلطة تدرك أن "بنيان مشروعها في الضفة" لم يُشَد على أرض صلبة...كل شيء قابل للارتداد والانكسار في ظل غياب الأفق السياسي لإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان...لا أحد لديه ضمانة بأن الشارع الفلسطيني إن خرج عن طوره ، سيعود لـ"بيت الطاعة من جديد"...وما قد يبدأ على شكل تظاهرة لإنهاء الانقسام ، قد يتطور إلى ما هو أبعد من ذلك ، وكل عناصر "الانفجار" في الضفة قائمة ومتوفرة ، إن لم يكن ضد السلطة ، فضد الاحتلال والاستيطان والإذلال..وربما ضد الاثنين معاً ، وما لم تكن السلطة قادرة على "تجيير" طاقة الغضب الفلسطينية ضد العدو الوطني والقومي ، فإن هذه الطاقة ستنفجر في وجهها في أية لحظة ، كما لو أنها قنبلة موقوتة.
أما حكومة حماس في غزة تواجه وضعاً مماثلاً... أمس ، قرأت تعليقاً مثيراً للسخرية على موقع "فلسطين الآن" التابع لحماس...الموقع يكشف عن وثيقة داخلية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، لكأنه وقع على "ويكيليكس" جديدة...الوثيقة المكونة من صفحتين ، تدعو كوادر الجبهة وأصدقاءها ، إلى إحياء هذه المناسبة 15( آذار) ، والخروج إلى الشوارع بكثافة ، وتكثيف الضغط لإنهاء الانقسام...الوثيقة تدعو للخروج من "فضاء الفيسبوك الافتراضي" إلى ميادين الانتفاضة والمواجهة والمقاومة الواقعية...من جهتي لم أر في وثيقة الشعبية أية "مؤامرة" من أي نوع ، بل رأيت فيها "نصاً" محترماً ، يستحق التأييد والثناء ، بدل التنديد والاستنكار كما لو أن الجماعة ارتكبوا معصية لا تغتفر كما تبدى من تعليقات الموقع واتهاماته الجزافية.
والمفارقة أن سلوك "سلطتي" غزة ورام الله حيال تحدي "ثورة الشباب الفلسطيني" الذي يطل برأسه ، يبدو متشابهاً ، رغم اختلاف قراءة كل منهما لتطورات "الثورة العربية الكبرى"...السلطة في رام الله تقر بفقدانها حلفاء كبار رغم أنها على علاقة جيدة مع الأطقم القيادية الحاكمة الجديدة في مصر وتونس...أما السلطة في قطاع غزة فتبدو متأكدة بأن اتجاه هبوب الريح العربية يأتي مواتياً لسفنها وبما تشتهيه...ومع ذلك فإن السلطتين تبديان حذراً متماثلاً حيال حركة التضامن الشعبي مع ثورات مصر وتونس ، وتتحفظان على إرهاصات "ثورة الفيسبوك" الفلسطينية.
نحن من ناحيتنا ، ندعم بلا تحفظ ، حركات الضغط والاحتجاج الشعبية الفلسطينية ، الشبابية منها وغير الشبابية ، الرامية لإنهاء الانقسام ، والهادفة "تخليق" قوة ضغط كفيلة "بزحزحة" قوى الأمر الواقع هنا وهناك عن مواقعها ومواقفها... قوة ضغط كفيلة بتخليق إرادة سياسية متبادلة للوحدة والمصالحة... خاصة وإن تجربة الأعوام الأربعة الفائتة أظهرت أن الفريقين يتبادلان المواقع والمواقف...وبالعودة إلى أرشيف هذه المرحلة نرى أن حماس كانت تبدي أحياناً ميلاً جارفاً للوحدة ، تقابله فتح بتحفظ لأسباب سياسية محلية أو إقليمية ودولية ، حدث هذا في العام الفائت وقبله على سبيل المثال ، اليوم تبدو فتح اهتماماً أكبر بالمصالحة من حماس ، حيث أن الأخيرة تشعر أن المناخ العربي بات مواتياً لها ، وأن بمقدورها اليوم أو غداً ، أن تستحصل على مكاسب سياسية وتنظيمية أكثر من أي مرحلة سابقة...واخشى ما نخشاه أن يرتفع منسوب اهتمام حماس بالمصالحة بعد أن تكون "همّة فتح قد بردت" أو أن يكون قد استجد على الساحة ما يجعلها أكثر تريثاً وأقل استعجالاً.
لا بديل عن الحوار والمصالحة ، وقد آن أوان دخول الشعب الفلسطيني على هذا الخط ، لا لجمع الطرفين حول مائدة واحدة فحسب ، بل ولتقرير أجندة الحوار ووجهة المصالحة وبرنامج الوحدة الوطنية في إطار السلطة والمنظمة على حد سواء...فالشعب الفلسطيني لا يمكن أن تقتصر وظيفته على جمع المتخاصمين حول مائدة واحدة ، بل وإلزامهم بتنبي الشعارات والمواقف والبرامج التي تخدم مصلحته الوطنية العليا ، وتمكنه من إنجاز برنامج الحرية والاستقلال.(الدستور)