تعالوا نبحث عن الحل

شهدت العاصمة عمان ومراكز المحافظات في يوم واحد حوالي عشرين اعتصاما جميعها ترفع مطالب اقلها تواضعا تحتاج في حال الاستجابة لها الى موازنة اضافية ليس بوسع الحكومة تأمينها الا اذا اسعفتنا الدول الصديقة بمعونة استثنائية, وهذا غير متوقع خاصة واننا استنفدنا حتى المساعدات الاستثنائية التي وصلتنا مبكرة وجرى الاستفادة منها لزيادة الرواتب بمقدار عشرين دينارا اعتبارا من مطلع العام 2011.
الآن ثمة من يريد المزيد-ومعه حق- لأن تكاليف الحياة في الاردن اصبحت فوق امكانيات الغالبية العظمى من المواطنين من مختلف مستويات الدخل بمن فيهم من كانوا بالامس يشعرون بالامان لانتمائهم الى الطبقة الوسطى، هؤلاء هبطت بهم تكاليف المعيشة الى الدرك الاسفل فكانوا اكثر المتأثرين، اما الطبقة الفقيرة فما آلمها السلخ بعد الذبح، وإن كان الاردن قد اسعف الطبقة الفقيرة بالكثير من الاجتهادات والبرامج التي لم تفلح كثيرا في تحقيق المطلوب، فلجأ الى العلاجات المسكنة بحدودها الدنيا لتأمين لقمة الخبز لعائلات وافراد ينتمون الى شريحة المعوزين ولا يملكون برامج انقاذ لانفسهم وليس لديهم خطط للعمل لا في الزراعة ولا في الصناعة ولا في اي مجال آخر، وهؤلاء بالمناسبة لا يعتصمون ولا يتظاهرون فمصالحهم ترتبط ببقاء الأب المعيل والحنون الذي هو الحكومة.
المشكلة التي تواجهها الحكومة الآن لا علاقة لها بمطالب الفقراء واحوالهم التي تستدعي العمل الدائم لاخراجهم منها في اطار حلول دائمة مبتكرة، بل في احتياجات الفئات التي كانت تعتبر الى ما قبل سنوات قليلة الاكثر حظا ورفاهية، ومن هؤلاء الاطباء والمهندسون والمحامون والصحفيون والمتقاعدون من مناصب رفيعة من درجة امين عام صعودا الى اعلى سلم المتقاعدين وصولا الى الوزراء والاعيان والنواب, ثم مختلف مستويات الموظفين بمن في ذلك الفئات العليا والمتوسطة، هؤلاء جميعا لم يعودوا ينتمون الى الطبقة الوسطى, فالراتب التقاعدي للوزير السابق حتى لو بلغ أكثر قليلا من الف دينار لا يحرره من نطاق الطبقة الفقيرة في هذه المرحلة بالذات، ولأن المطلوب هنا أكثر من ان تحتمله حكومة اردنية، فان اللجوء الى المعالجات المسكنة يصبح حلا ضروريا للتماشي مع موضة الاعتصامات والتظاهرات وحمايتها بدلا من مواجهتها ثم ترك عامل الوقت يأخذ فرصته لجعل التظاهر والاعتصام مجرد حراك ممل وتعطيل للمصالح والاشغال الى ان ينتهي برغبة القائمين عليه، ثم - وهذا هو المهم - الاعتراف بانه نشاط يعكس حيوية المجتمع الاردني ويختبر قدرات الدولة على تحمل اعباء من نوع جديد كالتعامل مع معارضة مختصرة بعدة آلاف من النشطاء المستعدين لجعل التظاهرات في الشوارع ملتقيات وطنية في حال انعقاد دائم ولا تطالب بتحسين الرواتب ومحاسبة الفاسدين فقط، ولكنها تتواضع كثيرا بالمطالبة بتشكيل حكومة من طراز جديد، وبالغاء اتفاقية وادي عربه، وبحل البرلمان, وبتعديلات دستورية لم يكن احد يجرؤ على التلفظ بها قبل اشهر معدودة..!
ما هو الحل ؟هذا هو السؤال الذي تريد الحكومة المساعدة للاجابة عنه، والغريب بالفعل ان هذه المساعدة مطلوبة من المعارضين اصحاب الطلبات الصعبة او ربما المستحيلة - على الاقل في هذه الفترة الزمنية الحرجة - فهل تستمر الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات والى متى، ام هل تستجيب الحكومة لمطارديها بالطلبات، ولكن كيف ؟ هل تملك المال الكافي لارضاء المطالبين بتحسين الرواتب ومستويات المعيشة، ام هل تملك القدرة على المجازفة بفتح حوار جاد حول ثوابت سيادية وحساسة مع عدة آلاف يتظاهرون كل يوم جمعه وغير معروف من يمثلون بالضبط، هل هم احزاب اردنية مرخصة ام نشطاء مستقلون ام مجرد معترضين ام كل هؤلاء مجتمعين...!؟(الرأي)