أقفلوا التلفزيون الأردني أو اقلبوه أو خصخصوه

من بدهيات الإصلاح الذي نطنطن به العملُ الجاد على تغييرٍ فوريٍّ وسريع في الجهاز الذي يعكس صورة البلاد الرسمية والشعبية، أعني التلفزيون الأردني. وهي صورة قاتلة وتافهة بكل المقاييس. فما هو هذا التلفزيون الذي يعرض جلسات كاملة لمجلس الأمة؟ أو لقاءات كاملة لرئيس الوزراء في هذه المحافظة أو تلك؟ أو احتفالات لا أدري بمَ؟ أو إعلانات حكومية مطبوعة على الشاشة؟ أو نشرة أخبار لا تخبر شيئاً عن زيارة ضيف مهم مثلاً، سوى عبارات مستهلكة لا تنبئ، مع أنها تدل، ودلالتها غير سارة؟ أو حفلات كاملة لمغنين ومغنيات على مسارح جرش؟ كان بقي أن يخصصوا برنامجاً لقراءة رواية بطولها (ولتكن فوق هذا لكاتب رديء يقول المذيع إنه يستحق نوبل) منعاً لأن نتزحزح عن الشاشة العبقرية، ونقلب إلى قناة أخرى، لا سمح الله!!!
وما هي تلك البرامج التي لا تُسعد صورةُ مقدميها ومقدماتها البصرَ ناهيك عن الروح أو القلب والعقل؟ وإذا استثنيتُ مذيعاً واحداً ومذيعة واحدة يتمتعان باللياقة التلفازية واللطف والذكاء، فإن الباقي ليسوا ولسن سوى كوارث حقيقية، لا منظر ولا نباهة ولا ثقافة ولا منطق. والحق أني لم أصبِّر نفسي على مشاهدةٍ لتكوين رأي موضوعي، إلا دفعت الثمن بصداعٍ وغضب لإهدار المال العام واستغباء الناس. ولطالما تساءلتُ وتساءل غيري: ألا يرى معدّو هذه البرامج التافهة إلى الفضائيات الأخرى؟ ألا يشاهدون (العاشرة مساء) و(واحد من الناس) و(عصير الكتب) على دريم؟ ألم يسمعوا بـ(خليك في البيت) على المستقبل؟ ألم ينته إلى علمهم الغزير عدد هائل من البرامج التي تثير أسئلة حقيقية، وتبحث (عن جد) عن حلول حقيقية؟ هل يقرأون الكتب؟ وهل يتابعون المعرفة المتجددة في مظانها ومصادرها؟
وفي أي كوكب تعيش إدارة التلفزيون بحيث تشبه ذلك التمثال الشرق آسيوي الذي يضع فيه حيواناتُه الثلاثة أيديَهم على السمع والبصر واللسان، في تعبير رمزي عن مقولة بوذا؟ هل من الكثير عليها أن تبحث في هذا الشعب المتعلم عن شابة وشاب يقدمان عصيراً للكتب؟ أو مثاقفة عصرية لا تضعنا فجأة في عصور الانحطاط؟ أو نقاشاً ذكياً حول المواطنة، يقدم في آن تقارير بارعة في نقد الواقع؟ ومقابلات ذكية وغير تقليدية مع شخصيات غيرِ تقليدية لا تقتلع كلماتِها من مقالع الحجارة؟ هل خلا الأردن من شبيبة متنورة تستطيع أن تقدم مقترحات بصرية لمشكلات مزمنة عجزت عنها حكومات متعاقبة، لأنها لم تفكر قط بحلول غير تقليدية؟ هل من العسير تغيير الطاقم التعبان والكسول والمحدود الإمكانات، وسحبه من الإعداد والتقديم وتوزيعه على الدوائر الحكومية التي تتطلب عملاً روتينياً، بعد إنذاره وإمهاله مدة 3 أشهر لتطوير نفسه، وتقديم برامج مبدعة وخلاقة؟؟ هل من الممكن أن نشهد نشرة أخبار حقيقية لا تداهن ولاترائي، ولا تقول ما قاله الوزير الفلاني وما لا يفعله الوزير العلاني إلا أمام الكاميرات؟ فيا سعادتنا!!!
مع الانفتاح الثقافي والمعولم والانفجار المعرفي ورياح الديمقراطية العاتية، لا يوجد أي عذر لأي أحد أن تظل المؤسسات تجرجر بينما الوقت والمال يجريان إلى لا مستقر. ولنتذكر أن الشعوب لم تعد تمالئ، وأنها قد نفد صبرها.
دعونا لا نفقد الأمل.....(الغد)