الذين يخرقون سفينة الوطن

انتحلوا صفة تمثيل الشعب الأردني دون توكيل ، وطالبوا بتغييرات خطيرة تخص حياته السياسية بالقفز عن اخذ إذنه بالحد الأدنى ، ويرفضون أن يخالفهم احد في توجهاتهم التي تؤثر على مستقبل الأجيال ، ويتهجمون على من لا يروق له انتحالهم صفة تمثيله ، فيخونون المخالفين ، او يحقرونهم ، ويطلقون الاتهامات بلا رادع من أخلاق ، وقد احتكروا الشأن العام ، وصار المنحاز إلى وطنه متهما ، وموصوما بصفات غير حميدة ، وبدا ضعيفا أمام ركوبهم الموجة الإقليمية التي تضرب في أرجاء الإقليم ، ويعملون على استدعائها إلى الأردن من خلف ظهر الشعب الذي يجر قصرا إلى الرضوخ لمطالباتهم المتعلقة بشكل الكيان الأردني ، وقد غدا رهينا لتداعياتها لا سمح الله ، ويرفضون أن ينازعهم احد في التعامل مع مجريات هذه المرحلة ، وهم يخرقون سفينة الوطن مع استنكارهم وتنديدهم بالأصوات التي تبدي اعتراضها ، ويقبلون بالمواطن الأردني إما في صفهم ، أو في حالة صمت تتيح تمرير المخطط.
ويجرون الأردن إلى ذات الداء الذي تتفجر الثورات العربية في كل مكان للخلاص منه ، حيث سيطرة الشعارات ، وغلبتها ، والتي كانت الجسر لقهر الشعوب وتفريغها من حرياتها وحقوقها الأساسية باسم التحرر ، والعدالة. فالحالة الحزبية غير الناضجة عربيا هي المسؤولة عما آلت إليه أوضاع الأمة ، وقد تمكن بعض تجار الشعارات من السيطرة على مقاليد الحكم في دولها ، وعمد إلى فرض حزبه ، وباسم التحرر تم حجب المستقبل عن الملايين التي دخلت في دوامة الظلم والإقصاء ، وتغييب حكم القانون لسنوات طويلة ، وكانت القوى السياسية غير الناضجة التي قفزت للحكم من خلال تضليل الجماهير كفيلة بأن تعيد وجهة الأمة إلى الوراء ، وان تستحضر أسوأ أشكال الحكم ، وأقسى أساليبه في حق العرب بالقدر الذي فاق اثر الاستعمار ، والاحتلال الأجنبي المباشر.
والأردنيون ليسوا أعضاء في الأحزاب ، وتجنبوا الانخراط في صفوفها ، ولم تجذبهم شعاراتها ، ولا تشكل سوى نسبة ضئيلة في الشارع الذي يمارس حياته العامة من دون احزاب وهو ليس خالي الوفاض من قضية ، ومطالباتهم تخص معيشتهم ، وضرورة ترشيد الإدارة ، واخذ مخرجات البنية الاجتماعية في الحراك السياسي ، وتطوير آلية عمل مؤسسات الدولة ، والحفاظ على هوية البلد السياسية ، وعلى المقدرات الوطنية ، وزيادة فعالية أجهزة الرقابة ، ولهم تطلعات تتعلق بتطوير التعليم ، والصحة ، والخدمات العامة ، ولكنهم ليسوا منتظمين في الأحزاب ، او يتوزعون عليها ، ولم يناضلوا فيها حتى تختصر قضيتهم في إعادة تقاسم السلطة بين هذه الأحزاب ، وإخضاع تطورات النظام السياسي للصيغة التي تحددها. والأردنيون عموما غير متأثرين بالشعارات ، وبقوا خارج دورة هذه الأحزاب ، وتفوق وعيهم السياسي على حالة التعبئة التي ما تزال تسلكها مثل هذه الهيئات المحدودة في الحياة العامة ، والتي لم تراع متطلبات الزمن ، ولم تطور خطابها ، وفشلت في ان تقدم رجال سلطة وقانون يصلحون لإدارة الدولة ، وان كان صوتها يظل يطفو على السطح السياسي بسبب الصورة الإعلامية المكبرة لها.
ومعادلة العمل العام الأساسية في الأردن تتمثل في تدوير العملية السياسية ما بين السلطة ، والإعلام الذي اخذ الدور الأكبر في طرح قضايا الأردنيين ومتابعتها ، وشكل حراكا مستمرا حتى أن الأحزاب أخذت تستمد مادتها في المعارضة من خلال ما يطرحه الإعلام على صفحاته من مجريات العملية السياسية ، ومطالبات الناس المستمرة. والحالة الحزبية لم ترتق لمستوى طموحات وتطلعات المواطن الأردني الذي لم تستول عليه الشعارات ، وكان مقلا في الانخراط في عمل هذه الهيئات التي فشلت عن تقديم بديل في الحياة العامة ، وكانت الدولة اقرب للمواطن ، وأكثر إنسانية في التعامل معه منها.
والشعب الأردني حافظ على بنيته الاجتماعية التي راعت التطور ، والتحديث ولم تكن تعاني من الجمود والانغلاق ، أو نزعت نحو التطرف ليسهل استغلالها كوقود في التحريض ، والتعبئة.
نريد أن نجاري متطلبات الزمن القادم سياسيا من خلال قراءة واقعية لظروفنا الداخلية ، ولحساسية نسيجنا الاجتماعي ، وبالاعتراف بحجم ما أنجز وتحقق ، وان يقف على مطالب التطوير والتحديث كافة أطياف المجتمع من القيادات الفكرية ، والأكاديمية ، والإعلامية ، وأصحاب الخبرات التشريعية ، والقانونية ، وكافة المتابعين للحياة العامة ، ومن ضمنهم الحزبيون ، والوجهاء الاجتماعيون ، إضافة إلى حالات الوعي في أوساط الشباب ، وذلك كي يخرج التغيير المنضبط باتجاهات ، ومؤشر المصلحة العامة باسم الجميع.