صواريخ على إسرائيل : تصعيد للمقاومة أم هروب للأمام؟!

حماس تواجه وضعاً حرجاً في قطاع غزة...المؤكد أن دائرة المعترضين على حكمها في اتساع مستمر...هي تدرك ذلك ، وتدرك أيضاً أن أية انتخابات مقبلة ، لن تأتي لها بما سبق أن حصلت عليه في انتخابات ..7002.مظاهرات يوم الخامس عشر من آذار ، أزعجت حماس كثيراً وأخرجت أجهزتها الأمنية عن طورها في ساحة الكتيبة.
فتح تدرك ذلك ، قادة أجهزة السلطة الأمنية يعلمون علم اليقين بأن حماس في مأزق...لذلك شددوا هجومهم وتركيزهم على الحركة وحكومتها المقالة وأجهزتها الأمنية...ما حدث في يوم الغضب الفلسطيني قبل خمسة أيام ، دلل على أن هناك في فتح من يسعى في استغلال مأزق حماس وتسريع تفاقمه...ثمة معلومات مؤكدة بأن تعليمات صدرت لأعضاء فتح ومنتسبي أجهزتها الأمنية المنحلة في القطاع ، للتحرك تحت جنح "الشعب يريد إنهاء الانقسام...هذا أمر لا شك فيه ، لقد حدث ذلك وما يزال يحدث.
استجابة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمبادرة رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنيّة ، زادت طين حماس بلّة...فهي صاحبة المبادرة ، وليس من المتوقع أن تتراجع عنها بسهولة...وأغلب الظن أنها لم تكن تتوقع أن يستجيب لها الرئيس...لم يعد بمقدور حماس التقدم بمبادرتها إلى الأمام...لم يعد بمقدورها التراجع إلى الوراء.
أمام وضع كهذا ، جاء قرار الحركة بـ"تسخين" جبهة المواجهة مع إسرائيل...خمسون صاروخاً وقذيفة أطلقتها كتائب القسام دفعة واحدة ، في تصعيد للموقف الميداني غير مسبوق منذ أكثر من عام...كتائب الشهيد أبو علي مصطفى اغتنمت اللحظة ، وأطلقت بدورها وابلاً من القذائف والصواريخ..هذه المرة الصواريخ ليست "خيانة" كما كانت توصف من قبل قادة حماس...هذه المرة ، الصواريخ تنتمي إلى المقاومة وتخدم أغراضها ؟،.
حماس وضعت "تسخين جبهة القطاع" في سياق "رد الفعل المشروع" على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع...لكن هذه الاعتداءات وأقسى منها ، حدثت من قبل ، ولم تستدع تصعيداً للموقف على هذا النحو....ما الذي طرأ واستجد ، حتى استوجب الإقدام على هذه "المجازفة"...وهل هي "مجازفة محسوبة" أو "غير محسوبة" ؟.
نحن ندرج تصعيد حماس العسكري للمواجهة مع إسرائيل في سياق "النزاع الفلسطيني الداخلي" ، وليس من ضمن "مندرجات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"...والتجربة الفلسطينية المعاصرة ، حافلة بتكتيكات "تصدير المواجهة" و"الهروب إلى الأمام" واستدراج إسرائيل إلى ساحة الصراع لتفادي المواجهة الداخلية أو الضغوط العربية.
في ظني أن حماس قرأت المشهد المقلق في القطاع ، فوجدت نفسها أمام خيارين...إما أن تذهب إلى السيناريو الليبي ـ اليمني ـ البحريني لمواجهة الموقف واستئصال شأفة "الشعب الذي يريد إنهاء الانقسام" واحتواء "حركة 15 آذار" وقطع الطريق على مبادرة عباس ، أو بالأحرى استجابة عباس غير المتوقعة لمبادرتها ، وإما أن تهرب من كل هذه الاستحقاقات ، إلى الأمام ، وتفتح جبهة المواجهة مع الاحتلال والحصار.
غالباً ، كانت مثل هذه التكتيكات تعطي أكلها ، وتأتي بمردود طيّب ، خصوصاً حين كانت القيادة التاريخية للحركة الوطنية الفلسطينية ، تهرب من الضغوط العربية والانقسامات الفلسطينية إلى "تصعيد المواجهة مع إسرائيل"...هذه المرة الوضع يبدو مختلفاً بعض نتائج هذه "المغامرة" غير مضمونة وغير محسوبة...لا أحسب أن مواجهة مع إسرائيل ستوقف مطالبات الشارع بإنهاء الانقسام ، أو ستضع حداً لتكتيك فتح الهجومي على حماس وغزة...حتى وإن توقف الحراك الشباب والتحرك الفتحاوي ، فسيتم ذلك بصورة مؤقتة ولفترة محدودة...بعدها سيعاود المحتجون طرح مطالباتهم ، وستعاود فتح تجديد هجومها السلمي المتلطي بمطلب إنهاء الانقسام.
ولا أستبعد أن تكون لقرار حماس ارتدادات سلبية على الحركة ذاتها...فالشعب الفلسطيني لم يضمّد جراح الرصاص المصهور بعد...وهو ليس بحاجة ، ولا هو مستعد للانخراط في حرب جديدة ، مفروضة عليه ، وهذه المرة لأسباب متصلة بصراع فتح وحماس على السلطة...هذه المرة ، قد تنفذ طاقة الصبر عن الفلسطينيين ، وقد يغادرون مربع ضبط النفس ، على نحو غير منظم وغير هادئ وغير سلمي.
غريب وعجيب أمر التطورات المتلاحقة وغير المتوقعة في المشهد الفلسطيني...فتح التي خرجت من "تسونامي الثورات العربية" مهيضة الجناح ، تشن هجوما مركزاً على حماس التي تعتقد ، بل وتبالغ في اعتقادها ، بأنها خرجت منتصرة من هذا التسونامي...المهزوم في وضع هجومي ، والمنتصر في وضع دفاعي...أليست هذه مفارقة حقاً.
إنها حقاّ مفارقة لافتة...متأتية عن تفاوت الخبرات السياسية والمرونة التي يتحلى بها الجانبان...فتح لديها تراث حافل في تحويل هزائمها العسكرية إلى مكاسب سياسية...حماس لم تتحرك بالسرعة الكافية بعد "تسونامي الثورات العربية"...وإن أمكن لارتدادات هذا الزلزال أن تضرب في سوريا كما أشارت لذلك وقائع الأيام الأخيرة ، فإن الأرض ستميد من تحت أقدام حماس ، وحينها سيكتسب الهجوم الفتحاوي زخماً أعمق وأكبر ، وسيصبح مأزق حماس في غزة ، أكثر صعوبة وتفاقماً.
لا ندري كيف سترد إسرائيل على صواريخ حماس وقذئفها...هل ستذهب إلى مواجهة أوسع أم ستكتفي برد محدود وموضعي...كما أننا لا ندري كيف سيكون مصير "زيارة" عباس للقطاع في ضوء هذا التصعيد وكيف ستؤثر على جهود المصالحة والحوار وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومحاولات إنهاء الانقسام ، لا سيما وأن إسرائيل بادرت فوراً لتوظيف التصعيد الحمساوي ، للهجوم على قرار الرئيس زيارة غزة...المشهد مفتوح على شتى الاحتمالات والسيناريوهات.(الدستور)