برنامج إصلاح اقتصادي وطني

خطورة الحال اليوم أن شرائح غير الراضين عن أوضاعهم الاقتصادية تتسع، والشكاوى من تدني المستوى المعيشي تتعاظم، رغم أن التعبير عنها حتى اليوم بحدوده الدنيا.
حديث الأردنيين حيال أوضاعهم الاقتصادية متشابه، يتركز معظمه حول تراجع المستوى المعيشي يوما بعد يوم على مدى سنوات طويلة، وسط إيمان مطلق بأن الفساد والهدر ضيق عليهم فرص العيش الكريم.
لكن أسهم التوقعات المتفائلة تتراجع عند النظر إلى الأدوات والإمكانات المتاحة للحكومة من أجل الخروج من المأزق الاقتصادي، إذ الأدوات تكاد تكون محدودة إن لم تكن معدومة في هذا السياق.
ماليا؛ تعاني الموازنة من عجز ودين مزمنين ما يقتل فرص اللجوء إلى الإنفاق الرأسمالي من اجل دفع وتنشيط عجلة الاقتصاد، فيما الاحتجاجات المطلبية في تزايد.
ما يحدث اليوم ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج طبيعي لسياسات اقتصادية طالما حذرنا من تبعاتها، ونبهنا من بلوغ هذا الوضع الصعب، وحتى لا نبالغ فان التخفيف مما يحدث اليوم بحاجة لسنوات طويلة ولا يملك أحد وصفة سحرية للعلاج.
فاليوم لا تقتصر المشكلة الاقتصادية على مطالب شعبية تحاول التخلص من فقرها، فوضع الحكومة ليس أحسن بكثير فهي أيضا تعاني وعاجزة أمام قلة الموارد وعجز موازنتها، وتفاقم مديونيتها.
الحكومة غير قادرة على الاستجابة لحجم المطالب في الشارع والاحتجاجات التي تتزايد يوما بعد يوم، ولا ضير من موقف رسمي شجاع يكشف للعامة أن الإمكانات المالية لا تكفي للاستجابة لأهداف المحتجين. وبعد الصراحة، على الحكومة العمل على وضع برنامج إصلاح اقتصادي وطني يلبي حاجة ماسة وضرورية للانطلاق لمرحلة جديدة من الحكم.
كما أن الإصلاح الاقتصادي المطلوب يجب أن يركز على حل المشاكل الجذرية ووضع برنامج زمني لعلاجها من خلال خطة تقوم على مبدأ عريض وهو أن الإصلاح ليس بزيادة النفقات بل في إدارة الموارد المالية المتوفرة حاليا.
ويتفرع من هذا العنوان عناوين فرعية كثيرة، بعضها يتعلق باعتماد سياسة مالية تركز على تحقيق إيرادات من دون التأثير على مداخيل الناس، وإنفاق عادل يعكس عدالة التوزيع بين مختلف المناطق، ويندرج تحت هذا البند إقرار سياسة ضريبية تحقق العدالة اعتمادا على الدستور.
كذلك تشكل السياسة النقدية، ممثلة بالبنك المركزي، لبنة رئيسة للإصلاح الاقتصادي بحيث يفعل دوره الذي ينص عليه القانون والمتمثل بالمساهمة في تحقيق التنمية بحيث لا يقتصر دور المركزي على الاستقرار النقدي فقط.
أهم ما في الإصلاح المطلوب التركيز على توزيع مكتسبات التنمية بعدالة من خلال سياسة استثمارية تركز على المشاريع المشغلة للأردنيين وليس المولدة للنمو فقط، ووضع سياسة تشغيل وعمالة ترتبط مع السياسة الاستثمارية بحيث تخلق فرص عمل تناسب الكفاءات الأردنية وتشغلها، وتسهم بوضع حلول مدروسة بعيدا عن مبدأ الفزعة ضمن خطوات مدروسة تؤسس لوضع مبادئ ثابتة في إدارة سوق العمل.
برنامج التصحيح المقترح لن يستوي من دون اتخاذ إجراءات تحد من هدر المال العام، واعتماد مبدأ قياس الأثر للإنفاق الحكومي، حتى لا تبقى الأموال تنفق من دون إحداث تغيير في حياة الناس.
على الضفة الأخرى، يفرض المحور الاجتماعي نفسه لأهميته الكبيرة، بحيث يتم الالتفات إلى البعد الاجتماعي الذي يؤثر بمزاج الناس من خلال إعادة تعريف شبكة الأمان الاجتماعي، ودراسة سياسات الدعم بحيث يوجه الدعم للفرد وليس للسلعة، إلى جانب وضع خطط عملية وجادة في محاربة الفقر والبطالة.
وضع برنامج وطني يراعي هذه الأبعاد بلا شك سيقنع الشارع انه سيقطف نتائج ايجابية ولو بعد حين، فالمجتمع لا يريد بعد اليوم سياسات تخدير بل يتطلع إلى انقلاب على النهج الكلاسيكي من خلال وضع رؤية يدرك الناس من خلالها أن الحكومات باتت حريصة على مصالح الناس.(الغد)