فرحة النيل

لم يفض النيل فرحا ، منذ وقت طويل ، كما فاض ، حينما اصطفت الملايين في طوابير طويلة ، وقد ارتسم الامل البهي على وجوهها ، وهي تمارس حقها في افتراع حر ، نزيه ، لأول مرة في التاريخ ، ويعلنون تأييدهم للثورة المباركة ، مصرين على التغيير الشامل ، واقتلاع جذور النظام ، وبنيته من الأعماق.. وطي صفحة مظلمة في التاريخ المصري والعربي ، ساقت المحروسة الى عصور الظلام والتبعية والفساد ، وساقت الشعب العظيم الى سوق النخاسة.
الشعب المصري يصر على التغيير ، وهذا هو منطق الثورة ، ويرفض أنصاف الحلول ، وسياسات الترقيع ، لأنها تعني ببساطة أن النظام باق ، وأن أعوان النظام باقون ، ويتكاثرون كالطحالب والسرخسيات ، ومن هنا ، فلا بد من الغاء دستور المرحلة البائدة ، مرحلة مبارك ، وتشريع دستور جديد ، يجسد أهداف الثورة الشعبية المحيدة ، ومنطلقاتها ، ويكون عنوانا لمرحلة جديدة ، وحياة سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة في أبهى صورها.
جميع من تابعوا وقائع الاستفتاء على الدستور ، أيقنوا أن بهية ولدت من جديد ، وها هو الشعب العظيم ، يعلن النفير العام ، ليعانق الفجر الجديد ، فيقف الجميع في طوابير طويلة ، في عز الحر ، ليمارسوا قناعتهم دون خوف من السلطة الحاكمة ، وبدون وجل من بلطجية الحزب الحاكم ، مجسدين اخلاق ثورة 25 يناير ، وأخلاق ثوار ميدان التحرير ، فلم تعد السيدات والفتيات يتعرضن للتحرش الجنسي ، ولم يعد المواطنون يخشون من "النشل" الذي انتشر في مصر كلها ، وأصبح له مدارس وتابعون..،،.
مصر تعيش أياما تاريخية مجيدة ، وقد عبرت بعزم وارادة ابنائها الثوار ، ثلاثة عقود من الظلام والبطش والتنكيل والضياع ، ففقدت روحها الطيبة ، ومركزها الحقيقي ، وثقلها الحضاري والتاريخي ، وأصبحت صدى لواشنطن ، ومبارك مجرد سمسار يكنز الاموال ، ويسرق عرق فلاحي مصر الطيبين.
التحول الخطيرالذي أحدثته ثورة يناير المجيدة ، تجلى في اصرار الجماهير المصرية على التغيير الحقيقي ، وقطع صلتها بالعهد البائد ، وتطهير بر مصر من أدران عهد مبارك وابنائه وازلامه ، ومن لف لفهم من الفاسدين المفسدين ، والسماسرة وتجار الرقيق الأبيض.
باختصار.. ما يحدث في بر مصر المعمورة ، هو رسالة لكل العرب من الماء الى الماء ، أن يسيروا على خطى الثورة المصرية المجيدة ، التمسك بالنهج السلمي في التظاهر والاعتصام ، بارقى صوره ومظاهره ، والحفاظ على الممتلكات العامة ، لقطع الطريق على الانظمة القمعية ، ورفض الحلول النصفية ، وسياسات الترقيع والتأجيل ، مصرين على التغيير الجذري الشامل ، لطي صفحة الماضي.. صفحة الاستبداد ، والظلم والاستغلال ، والفساد. وتشريع ابواب الامل والحلم الجميل ، والارادة التي لا تعرف المستحيل.(الدستور)