أخطر مما يظنون

تعكس حالة الصدمة التي أصابت حكومات الغرب حيال ما يحدث في المنطقة العربية ضعف فهم العالم الغربي للبيئات العربية، ما يؤكد إيمانا مطلقا وقناعات بفقدان الأمل من الشعوب العربية التي غرقت لعقود في بحور الظلم والقهر.
ويكشف انشغال مراكز الدراسات والبحوث الغربية في أسباب دراسة الثورات العربية ضحالة القدرة لديها على قراءة العقل العربي وردود فعله، رغم أن معطيات كثيرة كانت تشير إلى إمكانية تطور الاحتقان والحنق إلى غضبة وثورة لا حدود لها، بقدر ما عانى السكان من فقر وجوع.
ما أصاب الشارع العربي ليس مفاجئا بل كان أمرا متوقعا، فظروف المجتمعات العربية الاقتصادية والسياسية كانت مهيأة للانفجار في أية لحظة، والمعطيات الواقعية كانت تشي بإمكانية حدوث ذلك.
والظروف متشابهة لدرجة كبيرة بين الدول العربية، وتحديدا بالاقتصاد لناحية ارتفاع معدلات البطالة، الفقر، وتراجع المستوى المعيشي للمواطن العربي عموما نتيجة التوجهات الاقتصادية للحكومات، إضافة لتفشي ظواهر ضارة مثل الفساد الذي تكرس بدخول رجال الاقتصاد على السياسة وإحكام قبضتهم على القرار السياسي لجهة مصالحهم المالية.
وكان المواطن العربي يشهد كل يوم قصصا على الفساد الإداري واختلال معايير الإدارة لدرجة أفقدت الأشياء قيمتها، وأدرك المواطن معها أن كل ما حوله يصب بعكس مصالحه، بعد ان ضاع حلمه بتوفر عيش كريم وحياة مريحة في ظل الهدر المالي وتجيير عمليات الإنتاج لمصالح أطراف بعينها في المجتمع.
وأسهم قتل الحريات وقمعها بتواجد دول بوليسية تحكم قبضتها على كل صغيرة وكبيرة، وسط ازدواجية المعايير، ما ضاعف حالة الحنق والاحتقان لدى شرائح واسعة من المجمتع، ناهيك عن أشكال التمييز التي تعرضت لها فئات مختلفة من المجتمعات بحسب خصوصيتها.
كل هذه المعطيات والدول الغربية محتارة في الأسباب التي قادت الناس إلى الخروج للشارع، للتعبير عن تطلعاتهم للإصلاح الذي يغير أحوالهم ويخرجهم من النفق الطويل الذي ساروا فيه لعقود طويلة.
لربما أسهمت حوادث صغيرة في كسر حاجز الخوف والرعب حيال القدرة على المطالبة بأبسط حقوق الإنسان التي حرم منها العربي لعقود طويلة، من حرية وعدالة وتساو في الفرص ضاعت في خضم انشغال القادة بجمع الثروات والسيطرة على المجتمعات، وغض النظر عن الفاسدين والمفسدين ممن ارتضوا الإثراء على حساب مجتمعاتهم وفقرها وعوزها.
قراءة الشارع العربي لم تكن أبدا مسألة صعبة، ولكن السبب وراء حيرة الغرب يكمن في الفكرة التي طالما تحدثنا عنها، بأن هذا العالم لم يقترب من دول المنطقة إلا بمقدار مصالحه وحاجاته.
وأخطر من ذلك أن قناعات العالم الغربي حيال الشعوب العربية كانت ترتكز على نقطة عميقة واحدة؛ هي أن وعي الناس في منطقتنا لن يرتقي أبدا إلى حد المطالبة بالحقوق التي هضمت لسنوات طويلة، وسط حالة استسلام لم تتوقع بعدها أن يصحو منها أبدا.
نظرية الغرب كانت تقول بأن ترك الشعوب فقيرة ومعدمة سيبقيها أبدا محكومة للقمة العيش، ولم تستطع أهم مراكز الدراسات أن تحدد النقطة الزمنية التي يستوي عندها الموت والعيش لدى المجتمعات، وهو ما وصلت إليه شعوب المنطقة العربية.
المشكلة الكبرى ليس في ضعف فهم مراكز الدراسات الغربية، بل في غياب الفهم والإدراك والرؤية لدى المراكز المحلية والعربية.(الغد)