نظرية البندورة التالفة!
على هامش ندوة أقيمت منذ أسبوعين في مؤسسة شومان، تناولت فيها ورقة المحاضر سامر خير، المدير التنفيذي للثقافة في أمانة عمّان نتائج إحصائية أجريت على عينة من مواطني المدينة مثلت شرائح اجتماعية مختلفة، في سياق دراسة علمية هدفت للوقوف عن كثب على واقع الثقافة في مجتمع المدينة. ورصدت الدراسة مدى إقبال سكان المدينة رجالاً ونساء على ارتياد المكتبات العامة، وحضور الندوات والمعارض والمشاركة في سائر الفعاليات الثقافية والفنية التي تقام في العاصمة، وذلك في ربط ذكي بين ممارسة مثل هذا النوع من النشاط الإنساني ومستوى الوعي السياسي والقانوني والأخلاقي كذلك، وجرى استعراض النتائج غير المشجعة بل والباعثة على الحزن، بحضور عدد كبير من المهتمين بالشأن الثقافي من كتاب وأكاديميين وإعلاميين ومتابعين، وقد كان الحضور النسوي في تلك الندوة لافتا لم يخلُ من طبيبات ومحاميات ومهندسات وناشطات في العمل الاجتماعي، وإعلاميات ومدرسات جامعيات وحتى موظفات حكوميات.
انبرى احد المداخلين من ذوي الوجوه المألوفة في كافة المحاضرات والندوات ممن يحرصون، في مثل هذه التجمعات على الجلوس في المقاعد الأمامية والإصرار على المشاركة في التعقيب على المحاضر، بغض النظر عن مدى اطلاعهم ومعرفتهم بموضوع المحاضرة، ويرون في حيز التعليق المخصص للجمهور الذي لا يتجاوز الثلاث دقائق لكل منهم فرصة ثمينة للظهور ولفت النظر، ولشديد الأسف فإن هذه النماذج المدعية الطارئة متوفرة بكثرة في المحافل الثقافية.
وفي خروج غير مبرر على موضوع الندوة المتخصص شن (أخونا) المعقب الملهم هجوما كاسحا فجا لا ينم عن أية ثقافة من أي نوع، ولا يشي بأي ذوق في انتقاء الألفاظ أو لباقة التعاطي مع الفكرة مهاجما بشدة عمل المرأة، معتبرا إياه ترفا واعتداء على حقوق الرجل واستيلاء على فرص العمل المتاحة للرجل، ومكيلا على المرأة العاملة أقذع الصفات، مستهينا بكرامة ومشاعر الحاضرات، ومستشهدا بأمثلة من واقع سواليف أصحابه وتجاربه الشخصية في الحياة التي يبدو أنها لم تتجاوز الصفر!.
وقد لحقه معقب آخر من الصنف ذاته في خطاب لا يقل ركاكة وفجاجة، محاولا الدفاع عن حق المرأة في العمل وكأنه عطية ومكرمة جاد بها سيادته علينا (كتر خيره)، بل انه في سياق دفاعه وإقناع زميله الممانع أفاد بأن المرأة العاملة تحظى بفرص زواج أفضل في حين تقبع غير العاملة في بيت والدها مثل؛ البندورة التالفة لا ينظر لها احد!! غير منتبه هو وأمثاله إلى أن سؤال عمل المرأة لم يعد مطروحا من أصله بل هو واقع ومطلب وضرورة وشرف لنا جميعا، كما أكد الدكتور زيد حمزة في مداخلته التي تصدى فيها إلى هذا الطرح الهابط، في زمن تألقت فيه المرأة وعملت وكدت وسهرت وجاهدت في كل المهن النبيلة في سبيل كرامتها وكرامة أسرتها، كما أنها ناضلت واستشهدت وأسهمت باقتدار كبير في الثورات المجيدة وغيرت وجه التاريخ بحضورها الندي القوي، ليست متوارية كخطيئة خلف الرجل العظيم! كما يروج الخطاب التقليدي البائس بل بجانبه تماما تحدق في عين الغد بإصرار وتصميم وجسارة صانعات وصناع الحياة، ليس أقل!.(الغد)
