الإقطاعيون الجدد

لا يمكن للفرد أن يتخيل أن القرن الواحد والعشرين ما يزال يشهد ممارسات إقطاعية، تماما كما كان يحدث في عصور التخلف والقمع، حينما كانت قلة محدودة تسيطر على الثروات وتوزع فيما بينها الهبات وفق أمزجتها ورغباتها.
بيد أن الواقع المحلي يكشف عن شكل جديد من الإقطاع، يتم تحت أنظار الشهود وتواطؤ الحكومات وسكوتها غير المبرر حيال ما يقوم به البعض من سيطرة على قطاعات اقتصادية حيوية، إذ لا نكاد ندقق ونمحص في وضع قطاع ما إلا ونكتشف أن عددا محدودا من الناس يسطيرون عليه.
وفي العام 2011 نخجل من الاعتراف بتغير شكل ونمط الإقطاع من تملك الأراضي إلى السيطرة على قطاع بعينه وتحديد أرباحه والتحكم بحياة الناس بشكل صارخ وسط غياب التنافسية التي تريح الفرد وتفتح له آفاقا متعددة تسهل عليه عيشته.
الإقطاع الجديد ماثل في العديد من الأعمال، مثل البنوك، حينما تجد الفوارق بين معدلات أسعار الفائدة تكاد تكون غير ملموسة، والهدف تحقيق مزيد من الأرباح طالما أن عين الرقيب غائبة، والبنك المركزي ودائرة المنافسة في وزارة الصناعة لا يكترثان للأمر.
ونجد في القطاع التجاري كثير من أشكال السيطرة والتفرد، إذ نعلم يقينا أن ثمة نفرا مسيطرين على سوق الحديد واللحوم والدواجن والسكر، يتحكمون من خلال ممارساتهم الاحتكارية بحياة الخلق ولقمة عيشهم.
قديما كان الإقطاع من خلال السيطرة على وسيلة الإنتاج الرئيسية وهي الأرض، حيث تعود ملكيتها لشخص واحد فيما يعمل الفلاحون وعليهم أن يعطوا ربع محصول الأرض للإقطاعي، أما اليوم فان الإقطاع يقوم بالسيطرة على الأسواق.
وحسبما نعلم فقد تم القضاء على الإقطاعيين على يد حركات التحرر والثورات، إلا أننا ندرك اليوم أن هذه الطبقة وممارساتها تعود إلينا بقالب مختلف، تسعى من خلاله إلى إحكام قبضتها على قطاعات بعينها، لتجيير كل فوائدها لمصالح وجيوب فئة محدودة.
مثل هذه الممارسات تتسع في ظل تراخ رسمي عن حلها والوقوف في وجهها من خلال سن تشريعات توقف الممارسات الاحتكارية، وتقطع يد أي كان عن السيطرة على قوت الناس، بواسطة تشريعات تنظم السوق، مثل قوانين حماية المستهلك ومنع الاحتكار، والمنافسة بحيث يسهم وجود مثل هذه القوانين في رفع يد البعض عن السوق والسيطرة عليها.
كما أن اتخاذ إجراءات محددة في كل قطاع كل بحسب رأي أصحابه والناشطين فيه، يضعف المحتكرين ويضيق عليهم، ومثال ذلك إصرار الحكومة على موضوع الترميز في استيراد الحديد الذي يمنع صغار التجار وأصحاب رؤوس الأموال المتواضعة من منافسة حيتان السوق أمام عين الحكومة وسكوتها غير المبرر.
في الإقطاع القديم سمي الفلاح بـ "المرابع" نسبة لحصة الربع التي يأخذها الإقطاعي، واليوم نجد أن من يدفع ثمن الإقطاع هو المستهلك الذي يشعر بأنه وحيد في مواجهة الإقطاعيين الجدد.
من حق المواطن أن يشعر بالطمأنينة حيال قوت يومه، ويجب على الحكومة ترسيخ قناعته بان مهمة المسؤولين لا ترتبط بحماية الحيتان بل في صون لقمة عيش المجتمع، الذي أنهكه ارتفاع الأسعار لدرجة لم يعد قادرا معها على توفير العيش الكريم. (الغد)