جمهورية الأقارب والأصهار

التطورات الأخيرة في اليمن "الكئيب" وضعت البلاد على صفيح ساخن، حيث بات الجميع ينتظرون تغيرات دراماتيكية في الملف اليمني، قد تسبق التطورات في الثورة الليبية، رغم أن أبعاد الحالة الليبية دخلت في أنفاق عديدة، ليس أقلها الغارات التي تشنها القوات الغربية على مواقع القذافي.
الرئيس اليمني علي عبدالله صالح استغرب كيف ترفض المعارضة اليمنية ما يسميه تنازلات من قبله أعلنها منذ اندلاع الأحداث في اليمن، وآخرها التنازل عن السلطة في العام 2012، أي بعد انتهاء مدة حكمه الدستورية، والممتدة أكثر من 32 عاماً.
الرئيس اليمني يتوقع من المعارضة أن تصدق كلامه، مع أن سلوكه طيلة فترة حكمه الطويل يؤشر إلى أنه يتعامل مع السلطة كإقطاعية يملكها هو وأقاربه، حيث تعد قضية إقالة أقاربه الممسكين بمفاصل مهمة في البلاد واحدة من خمس نقاط تضمنتها "خريطة طريق" طرحها تحالف لأحزاب المعارضة في اليمن لوقف الاحتجاجات الشعبية.
وتقول المعارضة إن الرئيس صالح بات يمسك بأهم خيوط ومفاصل الجمهورية وقطاعاتها الاقتصادية والعسكرية، وذلك من خلال مقربيه من عائلته وأصهاره.
وإضافة إلى تعيين الأقارب أو الأصهار في المراكز القيادية والمهمة، تأخذ أحزاب المعارضة اليمنية على الرئيس صالح تعيين أشخاص من أبناء المنطقة التي ينحدر منها (منطقة سنحان) في قيادة المعسكرات والمناصب الإدارية.
فمنذ توليه الحكم في 17 تموز (يوليو) 1978، أسند صالح أهم المناصب في قيادة القوات المسلحة والأمن إلى إخوانه وأبناء عشيرته من سنحان وأقصى منافسيهم، ولم يقرب إليه منهم إلا من ضمن ولاءهم الشديد.
فقد تولى أحمد علي عبدالله صالح نجل الرئيس قيادة الحرس الجمهوري المؤلف من نحو 30 ألف رجل، إضافة إلى فرق القوات الخاصة التي تسيطر على جميع مداخل العاصمة صنعاء.
أما علي محسن صالح الأحمر، وهو الأخ غير الشقيق للرئيس، الذي أعلن قبل يومين انضمامه لحركة الثوار، فأسندت له قيادة الفرقة الأولى المدرعة المكونة من عدة ألوية جيدة التسليح، والتي تسيطر على المحور الغربي، وهي الفرقة التي تولت خوض الحروب مع الحوثيين.
كما يشرف يحيى محمد عبدالله صالح ابن أخ الرئيس على قيادة وحدات الأمن المركزي التي تسيطر على كل المدن اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء، فيما تولى علي صالح الأحمر الأخ غير الشقيق للرئيس قيادة القوات الجوية.
وإضافة إلى هذه القيادات العائلية في المراكز الحساسة، تأتي القيادات الأدنى نفوذاً التي تقترب أو تبتعد مواقعها من العاصمة صنعاء حسب درجة قربها من المركب العسكري والأمني القبلي.
وقد نشرت حركة 3 شباط (فبراير) الشبابية التي تقود الاحتجاجات في اليمن -إلى جانب أحزاب المعارضة- قائمة بأسماء أكثر من 30 مسؤولاً من أقارب وأصهار الرئيس اليمني وطالبت بإقالتهم.
وتضمنت هذه القائمة أسماء قائد الحرس الخاص طارق محمد عبدالله صالح، ووكيل جهاز الأمن القومي عمار محمد عبدالله صالح، ورئيس مجلس إدارة شركة التبغ والكبريت الوطنية توفيق صالح عبدالله صالح، وجميعهم أبناء أخ للرئيس.
كما تضمنت القائمة عدداً من الأصهار على غرار عمر الأرحبي شقيق صهر الرئيس، وهو مدير شركة النفط اليمنية، وعبدالكريم إسماعيل الأرحبي عم صهر الرئيس، وهو نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط ومدير الصندوق الاجتماعي للتنمية.
وامتدت سلطات الأصهار كذلك لتشمل خالد الأرحبي صهر الرئيس، وهو مدير القصور الرئاسية، وعبدالوهاب عبدالله الحجري شقيق زوجة الرئيس الثانية الذي يتولى منصب سفير اليمن لدى الولايات المتحدة، وعلي أحمد دويد صهر الرئيس الذي يشغل موقع مصلحة شؤون القبائل، وأحمد عبدالله الحجري محافظ أب.
اليمن الذي توحد بقوة السلاح، وشطب دولة مدنية تقدمية في الجنوب، يتحول بعد سنوات إلى إقطاعيات في يد أقارب الرئيس، ولا يمكن أن يصمد بعد أن تكشفت كل هذه الحقائق.
صحيح أن كل ما يجري في العالم العربي منذ ثورة البوعزيزي في تونس، يفتح عشرات بل مئات الأسئلة، وبخاصة للذين يعشقون نظرية المؤامرة، لكن ما تكشفه الوقائع من فضائح مالية يندى لها الجبين، وفساد لم يمارسه أعتى الجبابرة، وسلطنة في ممارسة السلطة، تسمح للمرء أن يقول حتى لو بأيدي أميركا.. أهلاً بالتغيير.(الغد)