اعتصام "ميدان جمال عبدالناصر"

أبدت القوى السياسية والشعبية في الأردن، من خلال الحراك الشعبي الذي شهدناه وما نزال نشهده، وعياً كبيراً بضرورة الإصلاح السياسي، وبنفس الوقت بالمصلحة الوطنية والتأكيد على سلمية هذا الحراك إدراكاً لأهمية الاستقرار السياسي في البلد. وفي الوقت نفسه، فقد قامت الدولة بالاستجابة لحراك الشارع، إبتداءً بإقالة حكومة سمير الرفاعي وتشكيل حكومة جديدة بتكليف واضح لإجراء الإصلاحات السياسية الضرورية للانتقال بالأردن إلى الحالة الديمقراطية التي ينشدها الجميع، ومروراً بتشكيل لجنة الحوار الوطني المكلفة بإجراء حوارات مع القوى الفاعلة والخروج بتوافقات حول القوانين الناظمة للعملية السياسية، وخاصة قانوني الانتخاب والأحزاب وغيرهما. وبهذه الإجراءات، تكون الدولة قد هيأت المناخ للبدء بعملية الإصلاح السياسي.
ولكن الحراك باتجاه الإصلاح يبدو بطيئاً، لدرجة أن جلالة الملك في رسالته لرئيس الوزراء، قد حث على الإسراع في عملية الإصلاح، وأكد عدم وجود مبررات للتباطؤ، لدرجة أنه قال "إنني لن ألتمس عذراً للتأخير في دورة الإصلاح السياسي والاقتصادي"، والتي يجب أن تفهم بأن عجلة الإصلاح بطيئة جداً ويجب الإسراع بها.
إن الإصلاح السياسي ليس ترفاً بل ضرورة ملحة، ليس بسبب التطورات الإقليمية بل لأسباب داخلية متراكمة ومعروفة للجميع. وإن المطالبة بالإصلاح قد سبقت الثورة في تونس ومصر، ولكن بالمقابل، فإنه لا يمكن استنساخ أدوات وتجارب الآخرين، لأن الظروف مختلفة لدينا ولا يجوز لأي جهة مهما شعرت بأنها قوية أن تصر على شروطها وأهدافها من دون أن يكون هناك توافق وطني حولها، سواء من خلال لجنة الحوار أم من خلال أطر أخرى. وبحكم الطبيعة المعتدلة للدولة والشعب الأردني، فإن الطريق الأسلم هي الطريق السلمية التوافقية وأي نموذج آخر سيدخل البلاد في نفق مظلم لا نهاية له.
ومن هنا السؤال حول جدوى وضرورة خطة بعض القوى لإقامة خيمة دائمة على دوار ميدان جمال عبدالناصر، ومدى انسجام ذلك مع التوجه السياسي للأغلبية. هل يكون إقامة خيمة الاعتصام إعلانا عن التحول من المعارضة الناعمة الى المعارضة الخشنة؟ أم أنه مجرد أداة ضغط على الحكومة من أجل الاستعجال في تنفيذ المكتسبات التي تم تحقيقها حتى الآن؟
لقد تعاملت الدولة مع الحركات الاجتماعية بطريقة سلمية، ومن منظور حقها في التعبير عن رأيها، ولكن هل ستستمر في نفس الأسلوب إذا تطورت أساليب المعارضة إلى المواجهة أو المعارضة الخشنة؟ أعتقد أن الحكمة والوطنية تتطلبان الصبر والإصرار والإبقاء على المعارضة السلمية من قبل المعارضة، والسرعة في إنجاز الإصلاح السياسي المنشود من قبل الحكومة حتى نتجنب حدوث ما لا تحمد عقباه.(الغد)