قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق .. الشعار الذي أطاح بالإدارة الأردنية

اذا أردت تذوق الشعور بالاحباط الممتزج بالغضب فعليك المرور بتجارب التعامل مع الدوائر الحكومية وبالذات خارج العاصمة، وشخصيا لا أنصح مواطنا بمراجعة دائرة رسمية اذا لم يمهد الطريق بواسطة من خارجها أو من داخلها.
وبحكم عملي أضطر الى مراجعة دوائر رسمية في احدى المدن القريبة من العاصمة، حيث نادرا ما وجدت مكتبا يتمتع بالنظافة وقلما وجدت مدير دائرة في مكتبه، كلهم في اجتماعات في مكان ما، وفي الطريق وجدت أحد هؤلاء المجتمعين يتسوق حاجات بيته من المؤسسة الاستهلاكية المدنية، بينما لم تخجل احدى الموظفات من وجودي فتتوقف عن لعب الورق أثناء العمل الرسمي.
كل موظف يلقي بك إلى زميله لتنتهي الحلقة بزميل مجاز ولا بد من الانتظار لحين عودته، وبالنتيجة فان الوقت أرخص بضاعة في سوق الإدارة الحكومية، ومع ذلك يتأففون ويطالبون بزيادة الرواتب وتحسين ظروف العمل ومنهم من يدعو إلى اعتصامات.
لقد وصلت إلى قناعة عبر سلسلة طويلة من التجارب ومراجعة القوانين الناظمة لعمل الإدارة الحكومية وقوانين العشائرية والمحسوبية التي تمنح الحصانة للكسالى أن الاصلاح الإداري في الأردن بات مستحيلا بدون جراحة شاملة،فالتشريعات الإدارية عاجزة عن الردع والضبط، وقوة العشيرة والجهوية تفرض نفسها على القرار الإداري التنفيذي في مؤسسات الدولة، ولا يوجد رئيس وزراء مستعد لاتخاذ قرار بطرد أو إنهاء عمل عشرة آلاف كسول من الإدارة الرسمية بل أن التشريعات تحول دون مثل هذا القرار.
لم يعد الأمر بطالة مقنعة فهذا المصطلح اختفى منذ سنوات لسبب بسيط وهو أن البطالة الإدارية رفعت القناع وباتت مكشوفة . وحين يرى أحد الخبراء أننا نستطيع إدارة مرافق الدولة كلها بكفاءة بنصف عدد الموظفين الحاليين وبكلفة مالية أقل وإذا تخلصنا من النصف غير اللازم وأضفنا نصف رواتبه إلى رواتب النصف اللازم فاننا نضمن إدارة غير بيروقراطية وحديثة، فانه يقول عين الصواب، ولكن حين تتحول كل وزارات ومؤسسات الدولة إلى مؤسسة خيرية للمساعدات والتشغيل الشكلي فان الرجوع إلى جادة الصواب وتصحيح الخلل يعني أزمة اجتماعية لا تقوى حكومة على المجازفة بحدوثها.
وهكذا فان القرارات غير المسؤولة المتراكمة من قبل وزراء متتالين وحكومات لم تكن تمتلك أية رؤية مستقبلية لوضع الإدارة الحكومية، ورضوخ متواصل لمطالب مئات من أعضاء المجالس النيابية المتتالية لتوزيع كعكة التعيينات عليهم وشراء موافقتهم على القوانين من خلال التعيينات واستحداث لعبة التعيينات بعقود والتعيينات على الفئة الرابعة لصالح النواب أطاح بالجهاز التنفيذي للدولة إلى الحضيض وأوصلنا إلى مرحلة تحتاج إلى جراح يملك قلب الأسد في زمن تغلب فيه الكثرة الشجاعة.
المشكلة أنك حين تتحدث بما سبق من أفكار يواجهك كثيرون بالقول ان هؤلاء الموظفين أبناء البلد وليسوا من سيرلانكا أو الصين، أو بالعبارة التي يريدون بها حماية سرقة الوقت والمال العام (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق).(الراي)