الثقافة لا عاصم لها؟

ثمة حكومات تُقدم، وببراعة، خسارات مجانية للوعي الوطني المتقدم عموما، وتنجح من طرف واحد أيضا في الانتقاص من المعاني النبيلة لارتفاع نسبة التعليم في مجتمعنا، وبالتالي تخدش هوية بلدنا بكل جرأة إدارية للأسف.
كيف لا يكون هذا الواقع مُرّا بعد أن قامت حكومة الحوار الوطني الحالية بإلغاء صندوق دعم الثقافة، بعد أن جُففت ميزانية وزارة الثقافة ومديرياتها في المحافظات الأفقر من العاصمة عمان الحبيبة!
وبكل جرأة، أقدمت أمانة عمان الكبرى بدورها الموجع على تقليص ميزانية الدائرة الثقافية لديها، وكأن الثقافة ومعانيها الإنسانية أردنيا مورد هامشي، لا يستحق الوقوف معه وسيلة وغاية في حياتنا!
وبالتزامن مع ما سبق، لن نغفل عما يجري من إضعاف للفعل الحواري في مرحلة حساسة جدا في مسيرتنا الوطنية بتعدديتها الواعدة، وضمانتنا للتغلب على هذا الإضعاف عبر الثقافة. فالفنانون برموزهم وأدوارهم النوعية المعمقة للفعل الثقافي من خلال نقابتهم، قد قاموا بنعي حضورهم نتيجة للغبن الذي يلحق بهم منذ مدة من تقصير حكومي نحوهم للأسف.
ولا يغفل المتابع كذلك عن أن عددا من رموزنا الثقافية، من مخرجين وأدباء وكتاب وفنانين، قد أُهملوا في حياتهم المطلبية حتى في حقهم في العلاج أو التداوي بصورة لائقة وبدرجة يفترض أن يتساووا فيها على الأقل مع صغار السياسيين الذين يؤمَّنون بالدرجات الأولى في المستشفيات والمراكز الصحية، من دون مِنّة أو استخفاف بحياة جُل المثقفين وإسهاماتهم الخالدة كقادة للتوعية والتغيير، ومن دون إحراج للديوان الملكي العامر كمنقذ في تدخلاته المحمودة المتواصلة لإنقاذ حياة مثقفينا على العموم.
ثمة قرارات حكومية وصلت حد الاعتداء على الثقافة والمثقفين معا ومن دون أن ترمش عينها الأولى. أما العين الثانية، فلم تأبه بكل أجناس الإبداع أو عفة الأحبار العضوية والمعاناة التي سكبها أدباؤنا الذين تمثلوا بدورهم المعاني الضافية لأن يكون ديوان الملك المؤسس، عبدالله الأول، ملتقى للقادة والشعراء والضيوف وهم يؤسسون لفعل ثقافي هو أساس لهوية الإمارة الناشئة على الشرعية والتعليم والحوار، ترافقا مع معاني التشاركية على طريق الاستقلال، وحرص أصحاب الجلالة تباعا على ثقافة الحوار؛ ما يعني مثل هذه القرارات غير المبررة للحكومة من زيادة موجعة المعاني صادمة لوجدان الوطن وإنسانه الأغلى وسط صمت مريب من قِبل أعضاء مجلس النواب للآن، مع التساؤل المفتوح عن هذا الصمت أيضا من قبل المثقفين ومؤسساتهم للآن!
أخيرا، هل تستقيم مثل هذه القرارات، زمانا ومكانا وفكرا، مع دعوة الحكومة للمواطنين لنبذ أحاديات الفكر والسلوكيات المعبرة عنها من جهة، ومن جهة ثانية مع أهمية سعينا، أفرادا ومؤسسات مرجعية للتنشئة التربوية والثقافية المتوازنة، لتعميق قيم الحوار المرتجى للآن من قبل الجميع؟(الغد)