ارحموا الأردن!

خلال أيام قليلة، انتقل الحديث من الحوار على بنود الإصلاح السياسي وسقوفه السياسية والزمنية إلى حالة من القلق الشديد على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، من خلال مظاهر هستيرية ناجمة عن تجييش وتعبئة على قاعدة إقليمية متشنجة، حتى امتدت التطورات إلى الجامعة، وكذلك نقابة المحامين بين مؤيدي "24 آذار" ومعارضيهم.
إثارة الفتنة وتأليب الناس على بعضهم، وضرب السلم الأهلي وتوظيف "الهواجس" الاجتماعية.. ذلك هو السهم الأخير الذي استخدمه التيار المعادي للإصلاح السياسي مبكّراً، في محاولة لتخويف الناس وإرهابهم وعرقلة المضي إلى الأمام في تجديد النظام السياسي والذهاب مباشرةً إلى حياة دستورية برلمانية مكتملة.
بالضرورة، هذا هو السيناريو الأسوأ والأخطر. وعلينا أن ننزع فتيله ونعطّله، ونقف صفّاً موحّداً متّحداً معاً، تعلو أصواتنا بوضوح وبصراحة وبقوة: ليس منّا من يهدد مواطناً، ولا من يدعو إلى عصبية، ولا من يريد التلاعب بعواطف الناس وتحريك غرائز الشباب الدفينة، فكلنا مع الأردن، والولاء الحقيقي للوطن والدولة يقوم فقط على قاعدة "المواطنة الصالحة" وسيادة القانون، والعمل الجاد من الجميع.
علينا العمل، فوراً، على إعادة موضعة الحوار والنقاش السياسي في سياقه الصحيح والحقيقي. فليس هنالك موالاة في مواجهة الإصلاح، ولا إصلاح في مواجهة الولاء للدولة، هذه معادلة مغلوطة معكوسة سخيفة، الولاء يقتضي الإصلاح، ولا إصلاح بلا ولاء، هذه هي المعادلة الحقيقية، وهذا هو ما نراه لمستقبلنا.
المطلوب رسالة سياسية واضحة بتمزيق صفحة الفتنة من كتاب الوطن، والتأكيد على تقديس قيمة المواطنة وحرمة الخطابات العنصرية والإقليمية وتجريمها قانونياً وأخلاقياً وإعلامياً.
وفي المقابل، هنالك رسالة مطلوبة فورية فحواها إدانة كل ما حدث سابقاً، واحترام دماء المواطنين وكرامتهم، ونفي صفة الانتماء والولاء عن كل من يختبئ خلفها لتأجيج الصراع وخدمة أجندات مأزومة، والتأكيد على أنّ الإصلاح السياسي لن يتعطّل ولن يتباطأ بسبب ما حدث، بل سيسرّع إلى الأمام لأنه الضمانة الحقيقية للأمن الاجتماعي والوطني.
المكان الذي يسع الجميع هو طاولة الحوار الوطني، برعاية ملكية، تكون ضمانة لتحقيق المطالب الإصلاحية، وتضم شخصيات وطنية موثوقة معروفة، سواء كان ذلك بإعادة ترميم لجنة الحوار الوطني، أم من خلال صيغة جديدة، ليس هذا المهم، بل المهم هي المخرجات والضمانات في أسرع وقت ممكن.
لا مكان لنا تحت الشمس إلاّ بعبور جسر الحرية والديمقراطية والإصلاح السياسي، فتلك هي الطريق الوحيدة إلى المستقبل والأمام. أما النكوص إلى وراء فلم يعد خياراً مقبولاً لأحد، ولن يخدم الدولة ولا المجتمع ولا المواطنين الذين يرنون إلى حياة كريمة.
تفجير المعادلة الداخلية وتأزيم المسار المقبل بمثابة محاولة أخيرة للحفاظ على مكتسبات سياسية تحققت خلال السنوات الماضية، فدعونا نفوّت الفرصة على هذا السيناريو بذكاء وعقلانية، ونحمي الجميع من الانجرار إلى ذلك الفخ، فأنا واثق تماماً أنّها المحاولة الأخيرة، وأننا سنسير بعدها إلى ما نتمناه جميعاً للوطن!
إذا كنا لا نختلف على الوطن والدولة، فإنّ علينا أن نتوحد جميعاً وراء هدف واحد وهو ترسيم الطريق السريعة نحو "نموذج أردني" ديمقراطي تقدمي، فإذا اتفقنا على المبادئ والقواعد العامة، فدعونا نقفز على تفصيلات هنا أو هناك، وخلافات جزئية، ولا نزج أنفسنا في مغبة معارك لا تخدم أحداً، ارحموا الأردن!(الغد)