في الجدل الدائر حول «الملكية الدستورية»

تم نشره الثلاثاء 29 آذار / مارس 2011 02:19 صباحاً
في الجدل الدائر حول «الملكية الدستورية»
عريب الرنتاوي

 
 

 

احتلت مسألة «الملكية الدستورية» مكاناً محورياً في الجدل الوطني العام، الذي اندلع بقوة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، على وقع الحراك الشعبي المحلي من جهة، وثورات الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي في العالم العربي من جهة ثانية... وما كان يُثار همساً حول هذا الموضوع من قبل، بات مسألة مدرجة على جدول أعمال الدولة والمجتمع ومختلف القوى والكيانات السياسية هذه الأيام.

والحقيقة أن القارئ لبعض صفحات الجدل الدائر حول هذه المسألة، يلحظ أن أغلب (وليس جميع) الآراء المطروحة، يمكن إدراجه في «بورصة المزايدات وبازارها»، يستوي في ذلك المؤيدون لها من دون قيد أو شرط، مع المعارضين لها جملة وتفصيلاً، عن قناعة أو نفاق لا فرق... مع أن المنطق والحكمة يقتضيان شيئاً آخر، أو بالأحرى، يمليان التفكير بطريق ثالثٍ بين هذه وتلك، ولأسباب تتصل بـ»طبيعة التركيبة» الأردنية من جهة، ومقتضيات «التدرج» من جهة ثانية، والحاجة لاختبار «قواعد اللعبة الجديدة» في مناخات من الأمن والاستقرار من جهة ثالثة، أي باختصار، لأسباب تتصل بالصالح العام.

والصالح العام هنا، يقتضي أن يظل الملك رمزاً لاستقلال البلاد وسيادتها ووحدتها... الصالح العام يقتضي أن يظل الملك «حكماً» بين مختلف الأفرقاء واللاعبين، يرجعون إليه عند الاختلاف والاصطدام... الصالح العام يقتضي أن تظل مؤسسة العرش، راعية الدستور وحارسته، وضمانة عدم تغوّل «الأغلبية» وافتئاتها على قواعد اللعبة وحقوق الأقلية... الصالح العام يقتضي أن تظل مؤسسة العرش، ضمانة للثوابت التي يتوافق عليها الأردنيون ويرتضونها في عقدهم الاجتماعي الجديد، أو دستورهم الجديد، أو دستورهم القديم بعد تعديله.

بخلاف ذلك، أو دون ذلك، لا اعتقد أن من مصلحة مؤسسة العرش، أو النظام الملكي، واستتباعاً الصالح العام، أن يكون للملك صلة مباشرة أو غير مباشرة، بما يجري من أحداث وتطورات... فالبرلمانات يجب أن تُنتخب وفقاً لقانون توافقي، حديث وعصري... والحكومات المنتخبة يجب أن تنبثق من الأغلبية البرلمانية... الملك يجري استشارات ملزمة لاختيار رئيس حكومته من بين الفريق الفائز... الحكومة تخضع للمساءلة تحت قبة البرلمان... هي من يحدد برنامج عملها للمرحلة المقبلة، وهي المسؤولة عن تنفيذه، وهي التي تحظى بثقة البرلمان أو تفقدها وفقاً لقدرتها على إنفاذ برنامجها، ووفقاً لقدرة هذا البرنامج على إقناع الأردنيين بجديته وجدواه.

للحكومة في «الملكية الدستورية» ولاية دستورية شاملة وصلاحيات كاملة... يجب أن تنتهي ظاهرة الحكومات «مقصوصة الأجنحة التي تخضع نظرياً للمساءلة عن صلاحيات لا تمتلكها إلا نظرياً، فيما «حكومات الظل» غير الخاضعة للمساءلة، هي التي تمتلك صلاحيات استثنائية، لا حدود لها... الحكومة صاحبة السلطة والولاية، هي من يقرر بشأن السياسة والعلاقات الخارجية للدولة... وهي التي تتبع لها الأجهزة الأمنية، كل الأجهزة الأمنية... وهذه تخضع بدورها لمساءلة البرلمان ورقابته، حيث يتعين أن ينشئ النواب لجنة خاصة في مجلسهم باسم لجنة الأمن والدفاع... فيما القوات المسلحة والجيش، يظلان بإمرة الملك، فهما أيضاّ، حماة الدستور ودرع الوطن وضمانة سيادته واستقلاله.

تجربة الثورات العربية الأخيرة، أظهرت أن الجيوش لا الأجهزة الأمنية، هي الملاذات الأخيرة للأوطان والمجتمعات حين تحيط بها الأنواء من كل جانب... فالحكام الذين جاءوا على ظهور دبابات جيوشهم، عملوا أول ما عملوا على إضعاف هذه الجيوش وتهميشها لصالح أجهزة أمنية متضخمة ونافذة، إلى أن تفتقت أذهانهم الصدئة عن الحاجة لتشكيل قوات ضاربة من «البلطجية» و»المرتزقة» تلعب دور الرديف الاحتياطي، لحاكم لم يعد يثق أو يأنس بغير القوة العمياء المأجورة.

نحن بحاجة لتغيير قواعد اللعبة السياسية في بلادنا... اللعبة القديمة استنفدت أغراضها... والملكية الدستورية هي الإطار الناظم الأفضل للعبة الجديدة... نقول ذلك، لأننا مؤمنون أولاً: بجدوى النظام الملكي وصلاحيته للمرحلة المقبلة... فهذا النظام لم يستنفذ قدرته على قيادة البلاد نحو ضفاف المستقبل، ولكن الملكية كنظام حكم، باتت بحاجة إلى تطوير وإصلاح جذريين لكي تواكب روح العصر ومقتضياته... وندعو لذلك لأننا مقتنعون ثانياً: بأن مجتمعاً منقسما على نفسه، كالمجتمع الأردني بحاجة لنظام من هذا النوع، يحميه من الانزلاق إلى اتون اصطدام أهلي، لن تحمد عقباه إن اندلع لا سمح الله... ونشدد على جدوى هذا النظام، من موقع الثقة ثالثاً، بأن التدرج، وتفادي القفزات في المجهول، هي أفضل وسيلة لضمان انتقال سلس إلى ضفاف الحرية والديمقراطية.

ليست هناك نسخة واحدة من «الملكية الدستورية»... والمناداة بها لا تعني استحضار تجربة «ملكة بريطانيا» بالضرورة، هناك مستويات وأشكال وانماط يمكن التفكير بها... ما نحن مؤمنون به، أن الأنماط السابقة في ممارسة الحكم وتوزيع السلطة والصلاحيات، لم تعد مقبولة... والانتقال إلى «الأنموذج البريطاني» فيه قدر كبير من المجازفة والتطيّر، ومن عاش وشاهد مناخات التوتر والاحتقان والاستقطاب التي عاشها مجتمعنا في الأيام الأخيرة، يدرك تمام الإدراك، ما أريد أن أقول... لذا فإن ملكية دستورية، مستوحاة من خصائص التجربة الأردنية وأولوياتها، ربما تكون التجسيد الأفضل لمفهوم «الصالح العام».(الدستور)
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات