صحافة الفنادق!!

هذا المصطلح لروبرت فيسك، أما أمثلته على هذا النمط من صحفيي الفنادق فهي عديدة قد تبدأ من بيروت لكنها لا تنتهي في العراق او تونس والقاهرة.
وما يقابل صحافة الفنادق.. هي صحافة الخنادق والبيادق.. فالاولى ذهب ضحيتها شهود حق غسلوا سمعة مهنتهم وعقموها واكسبوها احتراما وعرفانا بجداوها في زمن الاقلام المعروضة كالبنادق للايجار وشهود الزور.
لقد عمل عدد من صحفيي العالم ومنهم فيسك نفسه في صحافة الخنادق، وتعرضوا للموت او الاختطاف ومنهم من تحولوا الى رهائن، وهناك روائيون كبار منهم ارنست همنجوي وماركيز عملوا مراسلين صحفيين في ميادين القتال والصراعات وحولوا المشاهد الدرامية التي امتلأت بها ذاكرتهم الى اعمال ادبية خالدة كما في روايات همنجوي وداعا للسلاح ولمن تقرع الاجراس.
اما صحافة البيادق فهي شطرنجية بامتياز لان الصحفي الذي يقبل ان يكون مجرد بيدق على رقعة هذا الكوكب الملون بمربعات الاسود والاحمر، والقتلة والمقتولين والمستوطنين والسكان الاصليين هو شاهد زور، يتحمل حصة الضبع لا الاسد من دم الضحايا.
وصحافة البيادق تحولت الى نمط انتاج جديد في بورصة الدم، والمزاد سواء كان سريا او علنيا على تسعيرة اللحم البشري المحترق.
وكما يرى روبرت فيسك فان صحافة الفنادق هي التي ينتجها سائحون لا يرون من العواصم التي يكتبون منها غير الفندق والغرفة والمطعم والبار. لكنهم يوهمون الناس بانهم شهود عيان، لانهم يوقعون على تعليقاتهم بعبارة توحي بذلك. هي انهم يكتبون من هذه العاصمة او تلك.
وقد لا يضيف صحفيو الفنادق الى قرائهم شيئا الى ما تتناقله الوكالات وما تبثه الفضائيات تحت عنوان خبر عاجل، واحيانا ينقلون عن الشاشات اخبارهم ثم يعودون محملين بالهدايا والذكريات الكاذبة.
ولو كان من يكتب عن صحافة الفنادق شخص اخر غير روبرت فيسك لربما اعترانا الشك بما يقول، لكن هذا الرجل تعرض للموت مرارا وقد يبدو كلاسيكيا بسبب اصراره على تلقي الرسائل من قرائه بواسطة البريد لكن دلالة هذا ابعد من ذلك. فمن يكلف نفسه كي يكتب رسالة ثم يضعها في غلاف ويضيف اليها طابع بريد ويرسلها الى عنوان محدد، هو شخص لا يلهو بسبب فائض الفراغ، ولا تعبث اصابعه بحاسوب ربما لان فيسك ينتمي الى جيل شبه منقرض من الصحفيين الميدانيين، وربما لانه يدرك بان سهولة الاتصال بين المرسل والمرسل اليه قد لا تكون جدية!
ولحسن حظ هذه المهنة التي طالما راوحت بين المقدس والمدنس ان صحافة الخنادق دافعت عن شرفها مرارا، وان ضحايا الصحافة في العقد الماضي تجاوز عددهم من سبقوهم باضعاف، ليس فقط لان ساحات الحروب تعددت والصراعات تفاقمت بل لان نوازع الشهود من اجل كشف الحقائق تصاعدت.
وكلما حققت صحافة الخنادق سواء كانت في الحروب او الواجبات المهنية والاخلاقية منسوبا اعلى.. يزداد حصار وفضائح صحافتي الفنادق والبيادق واذا كان للاطباء قسم يمهرون به مهنتهم هو قسم ابو قراط. فان قسم الصحفيين هو الكلمة. التي كانت في البدء وستكون في المنتهى ايضا!(الدستور)