"العلاقة مع حماس".. اليوم

ثمة دواعٍ للتفكير في إعادة فتح ملف العلاقة مع حركة حماس، على ضوء المتغيرات الإقليمية الأخيرة، والتي قلبت الرهانات السياسية السابقة رأساً على عقب.
ما يدفع إلى هذا التفكير عوامل حيوية مباشرة، أولها وأهمها المصالح الوطنية الأردنية، وتحديداً فيما يتعلق بالحالة الفلسطينية والعلاقة المتوترة مع إسرائيل.
من جهة أولى، أدّت الثورة المصرية والانشغال الكبير الحالي (هناك) بترتيب البيت الداخلي إلى فراغ سياسي عربي كبير في رعاية الملف الفلسطيني، وتحديداً جهود المصالحة والحوار، وصولاً إلى إعادة تركيب العلاقة الفلسطينية بصورتها الصحيحة، ما يدفع بالأردن إلى محاولة ملء هذا الفراغ، حالياً، وفتح خطوط على الأطراف الفلسطينية الرئيسة لمتابعة الجهود السابقة، وعدم ترك التطورات لمنطق الأزمات الذي لا يخدم أحداًَ.
ما منع الأردن، سابقاً، من الدخول والمساهمة في الحوار الفلسطيني والعمل على استثمار العلاقات الوطيدة لنا مع الأشقاء الفلسطينيين، بالرغم من ضرورة ذلك الدور، هو الحساسية المصرية، غير المبررة حينها، من دخول أي طرف عربي آخر على هذا الخط، كما حصل حتى مع السعوديين في اتفاق مكة.
لم تعد السياسات الرسمية العربية التي عملت على حصار حركة حماس في غزة وتقويض مصادر قوتها مبررة اليوم، بعد أن ذوت فرصة التسوية بصورة متهاوية خلال الفترة الأخيرة، ومع الحالة الراهنة المتردية التي وصلت إليها حركة فتح، ما يزيد القلق على مستقبل الضفة الغربية سياسياً، برغم الهدوء الراهن.
استقرار الضفة الغربية، والوحدة الوطنية الفلسطينية، والارتباط الوثيق بين الضفة وغزة، هي بمثابة مصلحة استراتيجية وأمنية أردنية، فضلاً عن أنّها مصلحة فلسطينية وعربية، ما يجعل من العمل على تحقيق ذلك والاطلاع عن قرب على ما يجري أمراً ملحّاً وسريعاً.
من جهة ثانية، فإنّ العلاقة مع إسرائيل منذ سنوات تتسم بالتوتر والقلق، ولا يبدو في الأفق (في نظر مطبخ القرار) أيّ تحوّل في مراكز القوى داخل إسرائيل، بما يحدّ من نفوذ التيار اليميني المتصلب، فيما لم تنجح أو تعمل رهانات تقوية "معسكر السلام" في إسرائيل، ما يعني أنّ الأردن، أيضاً، مطالب بإعادة بناء رهاناته في هذا الملف الاستراتيجي.
بالضرورة، ما تزال تُطرح المحاذير نفسها من فتح ملف العلاقة مع حماس، لدى أوساط القرار، وفي مقدمتها حجم التداخل في المعادلة الداخلية، وسؤال العلاقة مع الحركة الإسلامية. لكن حتى هذه "التحفظات" يمكن أن تكون عاملاً في الاتجاه المعاكس، أي أنّ الانفتاح على حركة حماس والحوار معها، سيزيل المساحات الرمادية في علاقتها بالأردن، ويضع الملاحظات المتبادلة على طاولة المصارحة، وصولاً إلى "اتفاق جنتلمان"، كما حدث في العام 1993، ما يساعد أيضاً في إخراج العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين من حيّز الحسابات مع حركة حماس.
سينظر بعض المراقبين إلى فتح هذا الملف حالياً بغرابة في ضوء الانشغال بالمعادلة الداخلية، بل والتخبط فيها. لكن لا يوجد تناقض ولا تعارض بين هذه الخطوط الخارجية والداخلية، بل ربما يمنح ذلك الحكومة مصادر قوة أكبر في الشارع، وهو يرى دوراً أردنياً إيجابياً مع الأشقاء الفلسطينيين، ما يخفف الاحتقان الداخلي نفسه.
موجة الديمقراطية العربية والزلزال الإقليمي الحالي لا يفرض أجندته وشروطه فقط على المعادلة الداخلية الأردنية، بل حتى على الرهانات الخارجية، وهو ما عبّر عنه الرئيس معروف البخيت في لقائه بعدد من الكتاب قبل أسابيع قليلة، عندما تحدث عن ضرورة إعادة تموضع السياسة الخارجية الأردنية مع المتغيرات الجديدة.(الغد)