الرئيس السوري إذ يرفض «التسرع» في الإصلاح!!

لكأن البوعزيزي لم يحرق نفسه ويحرق معه ثياب الذل ويكسر جدار الخوف. كأن الرئيس التونسي لم يتأخر كثيرا في الفهم حين خرج بعد فوات الأوان ليقول «فهمتكم». لكأن حسني مبارك لم يتلكأ في قول ذات الكلمة وأصر على البقاء في الحكم حتى ارتفعت مطالب المحتجين على نحو دفعهم إلى رفض بقائه في الحكم ولو مجرد ستة شهور أخرى.
النظام السوري بدأ الحكاية من أولها، بدءا بإطلاق النار على المتظاهرين ومن ثم إبداء الأسف على سفك دمائهم، ومرورا بنسبة المظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح إلى جهات خارجية ومندسين فلسطينيين وأردنيين ومصريين وترتيب روايات بائسة لما يحدث وليس انتهاء بالمظاهرات الموالية المبرمجة التي تهتف للرئيس القائد.
لم ينس النظام في هذا السياق دفع بعض الموالين إلى الهجوم على المحتجين في درعا وسواها، ومن ساندوهم، بما في ذلك قيام بعض صغار الممثلين إلى التطاول على رموز الأمة كما فعلوا مع الشيخ يوسف القرضاوي الذي اتهم بإثارة الطائفية والفتنة، مع أنه لم يدعُ لغير الإصلاح من منطلق الحب لسوريا وأهلها والاعتراف بمواقفها القومية الجيدة.
في ذات السياق، وفي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، خرجت الناطقة باسم الرئاسة (بثينة شعبان)، فتحدثت عن «عطايا مالية»، إلى جانب الحديث عن وعود تتعلق بإصلاحات سياسية، الأمر الذي لم يكن مقنعا إلى حد كبير، حيث تواصلت الاحتجاجات، وخرج عدد من المثقفين السوريين ببيان يؤكدون فيه على مطلب الإصلاح. كما جاءت إقالة الحكومة كمحاولة أخرى لإقناع الناس بجدية نوايا الإصلاح.
بقي الناس في انتظار خطاب الرئيس، لاسيما أن إقالة الحكومة لم تكن خطوة تثير الانتباه، وكان أن رأينا بأم أعيننا كيف استقبل الرجل في مجلس الشعب بهتافات لا تليق بممثلي شعب عظيم مثل الشعب السوري، فضلا عن وصلات من المديح المدجج بالنفاق، والتي تثير الخجل وتؤكد أن درس الثورات العربية لم يصل بعد أروقة السياسة في دمشق.
في الخطاب لم يعترف الرجل بعفوية الحراك الشعبي، بل نسبه إلى دوائر خارجية تبتغي الفتنة، وتحدث عن بنية منظمة لذلك الحراك، وهيكلية وزعت الأدوار على نحو مخطط، الأمر الذي يدرك العقلاء أنه لم يكن صحيحا بحال.
الأسوأ من ذلك أن الكلمة المنتظرة لم تأت بأي شيء جديد خلافا لما تحدثت عنه بثينة شعبان من قبل (رفض الرئيس التسرع في الإصلاح)، بل إن المرور على قانوني الأحزاب وقانون الطوارىء لم يرد في سياق التأكيد على شيء إيجابي، إذ تحدث عن وضعهما قيد الدراسة، وفي سياق من إصلاحات كانت قد أعلنت في العام 2005، مع العلم أن تعليق العمل بقانون الطوارىء لا يحتاج أكثر من قرار واضح صريح (لاحقا شكلت لجنة لاستبداله بقانون لمكافحة الإرهاب، ما يعني تراجعا جزئيا عن منظومة القمع)، أما الإصلاحات الاقتصادية التي لم يفصّل فيها فلا يستبعد أن تبقى كلاما كما كانت في السابق، والأسوأ أنه حين أشار إلى موضوع الفساد، ذهب إلى أنه غير موجود في سوريا، مع أن الفساد بقصصه المثيرة وأسماء رموزه كان ولا يزال حكايات يومية تتردد على كل لسان في الشارع السوري. وعموما تمت إحالة الإصلاحات لمجلس الشعب الجديد، وهو بالطبع لن يختلف عن مجلس الشعب الحالي (مجلس حزب البعث) الذي يتسابق أعضاؤه على الوقوف والهتاف وترديد الشعر في مديح القائد، وصولا إلى قول أحدهم إنه ينبغي أن يكون قائد العالم وليس سوريا أو العرب جميعا!!
في ضوء ذلك يمكننا القول بكل وضوح إن السيناريو العربي التقليدي سيتكرر في سوريا لأن أي تغيير حقيقي لم يحدث، وإلا لتم تأجيل انتخاب مجلس الشعب الجديد إلى حين تغيير قانون الأحزاب ومن ثم بروز قوى جديدة تشارك فيها على نحو ينتج مجلسا أكثر التصاقا بهموم الشعب، ولو بنسبة بسيطة، مع أن المطلوب شعبيا هو أكثر من ذلك بكثير، إذ من دون دستور جديد يلغي النص على هيمنة حزب البعث على السلطة، إلى جانب تغييرات تشعر المواطنين بأن البنية الطائفية للنظام قد أصبحت من الماضي بالفعل، لن يعترف الناس بأن شيئا قد تغير.
والحال أنه لم يعد مقنعا الحديث عن سوريا الداعمة للمقاومة وسوريا التي تتعرض للضغوط والمؤامرات بسبب مواقفها القومية كسبب للتلكؤ في الإصلاح، لأن دعم المقاومة الذي لا ينكره منصف ليس نقيضا للإصلاح كما أشرنا من قبل، ولأن التصدي للمؤامرات الخارجية يتطلب جبهة داخلية متماسكة، وشعبا يؤمن بنظامه السياسي. أما إذا أصرّ النظام على تجاهل المرحلة ومتطلباتها، وندعو الله أن لا يفعل، فإن تطور الحراك الشعبي سيكون مؤكدا بصرف النظر عن الوقت الذي سيستغرقه حتى يتمكن من فرض التغيير الشامل، وأقله الإصلاح الحقيقي بحسب تطور الأمور.(الدستور)