في الأولاد وحقوقهم

يزخر الأدب العربي، المنثور منه والمنظوم، بكلّ ما يخصّ شؤون الحياة الاجتماعية للبشر، وما ينشأ بينهم من علاقات. ومنها ذكر الأولاد وحقوقهم، وكذلك ذكر النجباء والأذكياء والبلداء والأشقياء منهم.
فعن رسول الله أنّه ٌقال: الولد ريحانة من الجنة. وقال الفضل: ريح الولد من الجنة.
وكان يقال: ابنك ريحانتك سبعا ثم حاجبك سبعا ثم عدو أو صديق.
وعن ابي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قلت لسيدي رسول الله يا رسول الله هل يولد لأهل الجنة..؟ قال: والذي نفسي بيده إن الرجل يشتهي أن يكون له ولد فيكون حمله ووضعه وشبابه الذي ينتهي إليه في ساعة واحدة.
وقيل: من حق الولد على والده أن يوسع عليه حاله كي لا يفسق. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: إني لأكره نفسي على الجماع رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبحه وتذكره. وقال رضي الله تعالى عنه: أكثروا من العيال فأنكم لا تدرون بمن ترزقون.
ودخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة فقال: من هذه يا أمير المؤمنين..؟ قال هذه تفاحة القلب فقال: انبذها عنك فإنهن يلدن الأعداء ويقربن البعداء ويورثن الضغائن قال: لا تقل يا عمرو ذلك فوالله ما مرض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الاخوان إلا هن فقال عمرو: يا أمير المؤمنين إنك حببتهن إلي.
وقيل لرجل: أي ولدك أحب إليك..؟ قال: صغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يبرأ وغائبهم حتى يحضر. وقال ابن عامر لامرأته أمامة بنت الحكم الخزاعية: إن ولدت غلاما فلك حكمك فلما ولدت قالت: حكمي أن تطعم سبعة ايام كل يوم على ألف خوان من فالوذج وإن تعق بألف شاة ففعل لها. ذلك وغضب معاوية على يزيد فهجره فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم سماء ظليلة وأرض ذليلة وبهم نصول على كل جليلة فإن غضبوا فارضهم وإن سألوا فاعطهم وإن لم يسألوا فابتدئهم ولا تنظر إليهم شزرا فيملوا حياتك ويتمنوا وفاتك فقال معاوية: يا غلام إذا رأيت يزيد فاقرأه السلام واحمل إليه مائتي ألف درهم ومائتي ثوب فقال يزيد: مَن عند أمير المؤمنين..؟ فقيل له الأحنف فقال يزيد بن معاوية علي به فقال: يا أبا بحر كيف كانت القصة..؟ فحكاها له فشكر صنيعه وشاطره الصلة.
وحكى الكسائي: أنه دخل على الرشيد يوما فأمر باحضار الأمين والمأمون ولديه، فلم يلبث إلا قليلا أن أقبلا ككوكبي أفق يزينهما هداهما ووقارهما وقد غضا أبصارهما حتى وقفا في مجلسه فسلما عليه بالخلافة ودعوا له بأحسن الدعاء فاستدناهما وأسند محمدا عن يمينه وعبد الله عن يساره، ثم أمرني أن ألقي عليهما أبوابا من النحو فما سألتهما شيئا إلا أحسنا الجواب عنه فسره ذلك سرورا عظيما وقال: كيف تراهما..؟ فقلت:
( أرى قمري أفق وفرعين شامة ... يزينهما عرق كريم ومحتد )
( سليلي أمير المؤمنين وحائزي ... مواريث ما أبقي النبي محمد )
( يسدان انفاق النفاق بشيمة ... يزينهما حرم وسيف مهند )
ثم قلت ما رأيت أعز الله أمير المؤمنين أحدا من أبناء الخلافة ومعدن الرسالة وأغصان هذه الشجرة الزلالية آدب منهما ألسنا ولا أحسن ألفاظا ولا أشد اقتدارا على الكلام روية وحفظا منهما أسأل الله تعالى أن يزيد بهما الإسلام تأييدا وعزا ويدخل بهما على أهل الشرك ذلا وقمعا، وأمن الرشيد على دعائه ثم ضمهما إليه وجمع عليهما يديه فلم يبسطهما حتى رأيت الدموع تنحدر على صدره ثم أمرهما بالخروج وقال: كأني بهما وقد دهم القضاء ونزلت مقادير السماء وقد تشتت أمرهما وافترقت كلمتهما بسفك الدماء وتهتك الستور.
وكان يقال: بنو أمية دن خل أخرج الله منه زق عسل يعني عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه.
وسبّ أعرابي ولده وذكر له حقه فقال: يا أبتاه إن عظيم حقك علي لا يبطل صغير حقي عليك. وقال عبد العزيز الديريني رحمه الله تعالى:
( أحب بنيتي ووددت أني ... دفنت بنيتي في قاع لحد )
( وما بي أن تهون علي لكن ... مخافة أن تذوق الذل بعدي )
( فان زوجتها رجلا فقيرا ... أراها عنده والهم عندي )
( وإن زوجتها رجلا غنيا ... فيلطم خدها ويسب جدي )
( سألت الله يأخذها قريبا ... ولو كانت أحب الناس عندي )
وقال هارون بن علي بن يحيى المنجم:
( أرى ابني تشابه من علي ... ومن يحيى وذاك به خليق )
( وإن يشبههما خلقا وخلقا ... فقد تسري إلى الشبه العروق )
وقال الحسن بن زيد العلوي:
( قالوا عقيم لم يولد له ولد ... والمرء يخلفه من بعده الولد )
( فقلت من علقت بالحرب همته ... عاف النساء ولم يكثر له عدد )
وكان الزبير بن العوام رضي الله عنه يرقص ولده ويقول:
( أزهر من آل بني عتيق ... )
( مبارك من ولد الصديق ... )
( ألذه كما ألذ ريقي ... )
وكانت اعرابية ترقّص ولدها وتقول:
( يا حبذا ريح الولد ... ريح الخزامى في البلد )
( أهكذا كل ولد ... أم لم يلد مثلي أحد )
وكان أعرابي يرقّص ولده ويقول:
( أحبه حب الشحيح ماله ... )
( قد ذاق طعم الفقر ثم ناله ... )
( إذا أراد بذله بدا له ... )
وكان لأعرابي امرأتان فولدت أحداهما جارية والأخرى غلاما فرقّصته أمه يوما وقالت معايرة لضرتها:
( الحمد لله الحميد العالي ... أنقذني العام من الجوالي )
( من كل شوهاء كشن بالي ... لا تدفع الضيم عن العيال )
فسمعتها ضرتها فأقبلت ترقّص ابنتها وتقول:
( وما علي أن تكون جارية ... تغسل رأسي وتكون الفالية )
( وترفع الساقط من خمارية ... حتى إذا ما بلغت ثمانية )
( أزرتها بنقبة يمانية ... أنكحتها مروان أو معاوية )
( أصهار صدق ومهور غالية ... )
قال فسمعها مروان فتزوجها على مائة ألف مثقال وقال: إن أمها حقيقة أن لا يكذب ظنها ويخان عهدها فقال معاوية: لولا مروان سبقنا إليها لأضعفنا لها المهر ولكن لا نحرم الصلة فبعث إليها بمائتي ألف درهم والله أعلم.
وستبقى العلاقة بين الأبناء والوالدين واحدة من الموضوعات الشائكة في حياة البشر، وتخضع لتغيرات كثيرة، على الرغم من كلّ النصوص، الدينية والدنيوية، التي تحضّ على الاهتمام بها. ذلك أنها وبرغم كل الشرائع الاجتماعية المتباينة لا تزال هي الأساس في حياة البشر والجماعات.(الدستور)