تسديد ديون تونس ومصر

إذا صح أن أرصـدة الرئيس المصري المخلوع حسـني مبارك وعائلته ، التي جمدت في بريطانيا ، تبلغ 20 مليار يورو ، وفي أميركا 5ر31 مليار دولار ، وإن إجمالي الثـروة الشخصية يقدر بحوالي 70 مليار دولار ، فإن مصر ستكون قادرة ، عندما تسترد هـذه الأموال ، على تسـديد جميع ديونها دفعة واحـدة ، وتبدأ بموازنة نظيفة لأول مرة في التاريخ الحديث.
ما ينطبق على الرئيس المصري السابق ينطبق أيضاً على الرئيس التونسي السابق ، الذي أودع ثروة طائلـة في البنوك السويسرية والفرنسية ، ووجد في أحد قصـوره مخـزناً خاصاً للمجوهرات ورزم العملات المحلية والأجنبيـة تشبه ما تجده في البنوك المركزية ، ولذا فإن تونس ، البلد الغارق في العجز والمديونية ، وكان قد خضع لبرنامج تصحيح اقتصادي قاسـي ، يستطيع الآن أن يسـدد جميع ديونه ، ويبدأ بداية جديدة نظيفـة.
هـذا الحجم الكبير من المال العام المنهوب يدل على أن عجز الموازنات العامة في البلدين كان له سبب واحد هو الفسـاد على أعلى المستويات ، ولو كان حسني مبارك أو زين العابدين بن علي نظيفـاً ونزيهاً ، لما احتاجت مصر أو تونس أن تمد يدهـا للاستدانة من البنوك والمؤسسات الدوليـة ، وتلتزم بدفع أقسـاط وفوائد على حسـاب قدرتها على تقديم خدمات أساسية لشـعوبها.
فساد الحاكم يعـود لكونه زعيماً مرعوباً ، يعـرف في قرارة نفسـه أنه مرفوض ومعرض للإسقاط ، فهو جاهز للرحيل ، ويريد أن يجـد أمامه في المنفى ثروة تؤمـن له الاسـتمرار في الحياة على المسـتوى البـاذخ الذي اعتاد عليه وهـو في السـلطة ، وربما لاسـتخدام المال في تمويل ثورة مضادة تعيـده إلى السـلطة.
هذا الحافز سقط سـقوطاً مدوياً ، وقد ثبت الآن أن الأموال المنهوبة تخضع للتجميد ، فلا يسـتفيد الحاكم الفاسد منها ، أما سـرية البنوك فقد انتهـت وحل محلها قدر من الشفافية الإلزامية ، والالتزام بأحكام القضاء.
الثروة الحقيقيـة للحاكم هي شـرعيته ، ورصيده الحقيقـي هو حب واحترام الناس له ، نتيجة الإنجاز والكفاءة والأمانة ، أما مظاهـر البذخ والإسراف فلا تثير إعجاب الناس بل كراهيتهـم.(الراي)