امريكا رأس الحية

ليس بين اغلبية القوى الوطنية العربية والشارع العربي وبين طاغية ليبيا اية مشكلة خاصة او ثارات فئوية او جهوية, بل ان هذه القوى وهذا الشارع عندما تعرضت ليبيا للعدوان الامريكي في عهد ريغان, بادر الى التظاهر احتجاجا واعتقل من اعتقل وضرب من ضرب, كما شاركت شخصيا في اكثر من نشاط لفك الحصار الامريكي الاجرامي على طرابلس وكتبت في دفتر التضامن في باب العزيزية مثل كثيرين ممن اكدوا وقوفهم الى جانب ليبيا آنذاك ولكنني لم اكتب كلمة واحدة دعما للعقيد بل للشعب الليبي ضحية العدوان الامريكي المذكور.
وعندما كتبت مؤخرا ما كتبت حول هذا الطاغية, فذلك انطلاقا من موقف غالبية العرب والعالم وتشخيص هذه الغالبية الدقيق والمجرب للامريكان بوصفهم امبريالية متوحشة اجرامية تغير اقنعتها بين الحين والحين, من الجمهوريين الى الديمقراطيين, ومن العصا الغليظة البربرية الى دموع التماسيح على حقوق الانسان هنا وهناك, ومن ريغان الى بوش الى اوباما اخطر رئيس امريكي على العالم بسبب اقنعته المزورة المتعددة.
اما علاقة ذلك بطاغية ليبيا, فلان هذا الطاغية, منذ عشرين عاما على الاقل وهو ينسق مع المخابرات الامريكية ويسلمها ملفات حركة التحرر التي وثقت به يوما, ملفا ملفا, فما كتبناه حول هذا الطاغية مستمد من هذا الموقف, ارتباطه وعلاقاته مع الامريكان تحضيرا لتوريث ابنه سيف الاسلام المتورط في قنوات سرية وعلنية مع الامريكان وتل ابيب.. ولو لم يكن العقيد ونجله قد تورطا في هذه القنوات تحديدا لكان الحديث مختلفا.
اسجل هذا التوضيح ردا على ملاحظات بعض الاصدقاء التي تتساءل بصدق بالتأكيد لماذا كل هذا التركيز على العقيد وليس على الامريكان, وفاتهم العكس تماما وهو انني شكلت موقفي من العقيد انطلاقا واستنادا الى موقفي وموقف الاغلبية الشعبية العربية من الامريكان وافترضت ان المسألة لا تحتاج لكل هذا التوضيح, ولن يكون مفهوما ولا مقبولا من اي شخص يضع نفسه في خندق هذه الاغلبية ان يتردد لحظة واحدة في ادانة العدوان الامريكي والاطلسي ومن اية عاصمة من عواصم العالم الرأسمالي من باريس الى لندن.
وفي ذلك لا مبررات ولا مسوغات ولا ذرائع, فالعدوان الخارجي هو عدوان ايا كان مصدره فكيف اذا جاء من عواصم الاستعمار القديم والجديد التي لا تعنيها حقوق الانسان والديمقراطية إلا كعنوان او غطاء او ذريعة لمزيد من نهب العالم الثالث وثرواته واخضاعه لمشيئتها ومصالحها, ورأينا كيف ترجمت الامبريالية الامريكية هذه الديمقراطية في العراق, مذابح بالجملة وسجون رعب غير مسبوقة, ومناخات طائفية ولصوصية دولية لا مثيل لها.. وليس حال الامبريالية الفرنسية والبريطانية افضل من لاحقتها الامريكية العرب اليوم)