قراءتان للمشهد السوري

تم نشره الخميس 14 نيسان / أبريل 2011 01:50 صباحاً
قراءتان للمشهد السوري
عريب الرنتاوي

 
 

 

تتباين القراءات وردات الفعل المتصلة بالحدث السوري، من متحدث عن ثورة شعب «داخلية» ضد النظام، لن يهدأ اوارها إلا بإسقاط الأخير... إلى قائل بمؤامرة «دخيلة» على الشعب والنظام معاً، تستهدف صمود سوريا و»ممانعتها»... وما بين القراءتين «الأقصويتين» ثمة مروحة واسعة من القراءات المتفاوتة، التي تجنح بهذا الاتجاه أو ذاك.

من جهتنا نرى أن الأحداث التي شهدتها كثير من المدن والقرى والبلدات السورية على نحو مُتزامنٍ ولافت، هي مزيج غير متجانس من هذا وذاك... فما يجري في سوريا في جوهره، هو «انتفاضة شعب يريد إصلاح النظام»، ولن يتردد عن المطالبة بتغييره إن لم يستجب النظام لمطلب إصلاحه... على أن ذلك لا يسقط «نظرية المؤامرة» التي تتعرض لها سوريا، ومن قبل لاعبين معروفين، محلياً وعربياً ودوليا، لم يكفّوا عن التآمر على سوريا لا الآن ولا غداً ولا أمس ولا بعد غدٍ... حتى وإن كلّف الأمر، اللعب على «وحدة سوريا» والتلويح بورقة تكوينها الطائفي والمذهبي والقومي المتعدد.

كل الأسباب التي أخرجت المصريين والتونسيين واليمنيين والليبيين والجزائريين والعُمانيين والبحرينيين والعراقيين عرباً وكورداً للشوارع والساحات والميادين، متوفرة في سوريا، وكفيلة بإخراج شعبها الذي اشتهر تاريخياً بثوراته المتعاقبة، إلى شوارعه وساحاته وميادينه، ولا يقلل من أهمية هذه الأسباب و»راهنيّتها» أن سوريا تنتمي لغير «معسكر الاعتدال العربي»... انتماء سوريا لما أسميّ بـ»معسكر المقاومة والممانعة» كان يمكن أن يساعد نظامها على تخطي استحقاق الإصلاح بأقل درجة من الأكلاف والأضرار، لكنه للأسف ما زال يضيّع الفرصة تلو الأخرى، حتى كدنا نخشى أن تكون الأحداث في سوريا قد بلغت نقطة «اللاعودة».

المؤسف أن النظام في سوريا، لم ير فيما جري ويجري سوى «الوجه التآمري»، وغَفِل عن رؤية مطالب الناس والالتقاء معها وتلبيتها، وسواء فعل ذلك عن قصد أو من دونه، فإن النتيجة واحدة، وما جَهِدَ الرئيس بشار الأسد في بنائه خلال السنوات العشر الأخيرة، من «صورة مغايرة» لصورة النظام القديم، خسره في غضون أسبوعين فقط، وهو مرشح لخسائر أكبر إن لم يُحدِث الإستدارة المطلوبة في سلوكه وأدائه، وإن لم يُحِدث هذه الاستدارة سريعاً، «هنا والآن».

نحن نتفق مع النظام بأن هناك مؤامرة عليه وعلى سوريا.. لكننا نختلف معه في كيفية مواجهة هذه المؤامرة، هو يرى أن المواجهة تتم بمواصلة تكميم الأفواه وإدارة الظهر لمطالب الشارع، والاستمرار في ممارسة الأعمال اليومية كالمعتاد «Business as usual»... ونحن نرى أن أقصر الطرق لمواجهة «المؤامرة» وقطع الطريق على «المتآمرين» تتمثل في الإصغاء لصوت الشعب والإسراع في تلبية مطالبه المحقة والمشروعة... هكذا يفقد المتآمرون ورقتهم الأقوى، ويُحَال بينهم وبين الشارع السوري، بدل أن تتوفر لهم فرص امتطائه لتحقيق أهدافهم الشريرة.

الفاسدون يتدثرون هذه الأيام بثياب الإصلاح ولبوسه، كـ»الثعلب الذي بزر يوماً في ثياب الواعظين»، من عبدالحليم خدام إلى رفعت الأسد وأنجاله... هؤلاء الذين حكموا سوريا بالحديد والنار وسرقوا ثروات شعبها وتآمروا عليها طوال السنوات الأخير، وتحالفوا مع كل شياطين الأرض ضد بلادهم... هؤلاء هم رأس جسر «الثورة المضادة» في سوريا، وليسوا جزءا من الثورة أو قواها المحركة، من دون أن ننسى بعض جماعات المعارضة التي نشأت في أحضان اللوبي اللبناني المتصهين في واشنطن، من «أحمد الجلبي» في طبعته السورية غير المزيدة وغير المنقحة، إلى بعض المثقفين المُعتاشين على «فتات» أو «فتفت» تيار المستقبل وجماعة 14 آذار... هؤلاء لا شأن لهم بمستقبل سوريا وتطلعات شعبها الوطنية والديمقراطية... هؤلاء جزء من مشكلة سوريا وليسوا أبداً جزءا من الحل والخلاص.

نحن أعلم بروابط هؤلاء بمدرسة «المحافظين الجدد» في واشنطن، وأيتامها المبثوثين في «مدن الرمل والملح» و»شرق المتوسط».... نحن أعلم بملايين «البترودولارات» التي تغدق عليهم.... نحن أعلم بشبكة روابطهم التي انتعشت على «دم الحريري» و»واقعة استشهادة» و»قانون محاسبة سوريا وتحرير لبنان» و»القرار 1559» إلى آخر المعزوفة الجنائزية إياها... لهؤلاء «ويكيليكسهم» التي تفوح منها رائحة الخيانة الوطنية والتعامل مع الأجنبي على حساب الوطن وبالضد من إرادة المواطن.

هؤلاء لا يمثلون سوريا ولا هم جزء من مستقبلها... هؤلاء لا يجب بحال من الأحوال، أن يؤخذ الشعب السوري بجريرتهم... هؤلاء لا ينبغي إعادة السماح بـ»تدويرهم» وبعث الحياة في عروقهم المتيبّسة فإذا بهم من الأجداث إلى سوريا يرجعون... هؤلاء خبرهم الشعب السوري و»ذاق الأمرين» جراء حكم وتحكمهم، فسادهم وإفسادهم.

إن التمييز بين تحرك هؤلاء المشبوه، وحراك الشعب السوري النبيل المتطلع للكرامة والحرية والديمقراطية، هو المقدمة الأولى لـ»كتاب التغيير والإصلاح» في سوريا... لا يجب السماح لهؤلاء بامتطاء صهوة التحرك الشعبي السوري المبارك... لا يجب أن يُعطى هؤلاء الفرصة للزج بأنوفهم في «بوتقة» الثورة والانتفاضة.

مثل هذه المهمة، تقع على عاتق النظام أولاً، الذي يبدو أنه أو بعض أركانه، يسعون في «شيطنة» أو «أبلسة» الحركة الشعبية السورية، بتقزيهما إلى مجرد «رجع صدى لتآمر المتآمرين»... وهي مهمة تقع تالياًً على كاهل قوى الحراك الشعبي السورية، والتي كلما ميّزت نفسها عن «قوى المؤامرة والتآمر» كلما كانت في وضع أقوى في مواجهة السلطة، وكلما كانت أقرب إلى لحظة الحقيقة والاستحقاق، وكلما نجحت في إنقاذ البلاد والعباد من خطر الوقوع في الفتنة التي لن يتردد «المتآمرون» عن النفخ فيها وتأجيج أوارها.. إنها منتنة، لعن الله من أيقظها.(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات