تسليح العرب أم تشليحهم!!
لم يكن العراق قد صنع تلك الدبابات والطائرات، كي يستطيع إعادة إنتاجها بعد اذابتها وتجميع شظاياها، والامر ينطبق على العرب جميعاً رغم التفاوت الكمي لا النوعي، وحين نعود لقراءة تلك الارقام شبه الفلكية لما أنفقه العرب على التسليح وهي اضعاف مضاعفة لما أنفقوه على التعليم والتثقيف والصحة والزراعة نجد ان خسائرهم من تدمير هذا السلاح مزدوجة، فما ان يتم التشليح حتى يبدأ التسليح ثانية وبأسعار تتناسب مع تدني عملاتهم المحلية، وأزماتهم الاقتصادية ومديونياتهم المتفاقمة التي يضاف اليها الربا ببعديه: الاقتصادي والسياسي وبمعنى أدق السيادي، هكذا يصبح التشليح توأماً فولاذياً للتسليح ما داموا لا يصنعون وأحيانا لا يتقنون استخدام ما يستهلكون, ويبدو ان قدر العرب هو ان يفقدوا جعبتهم من السلاح كل عقد من الزمن أو اقل، لكن ليس في حروب مع اعدائهم بل في معارك بسوسية مع أنفسهم وذويهم، فالعربي صارم وحاسم ولا يقبل المصالحة مع توائمه الألداء, وان كان اقرب الى حاتم الطائي في تسامحه وكرمه مع الاعداء، ومنهم من لم يذبح فرسه لهم بل ذبح بلاده وتاريخه من الوريد الى الوليد!
ومن حسن حظنا ان كلمة التشليح تستخدم في لغتنا اليومية مجازاً بمعنى السطو، وليس فقط بالمعنى المتعلق بالعري والكساء، لهذا يصح على أمة بأسرها ما يقال أحياناً عن فرد بعينه، وهو ان اعداءه أو المتربصين به شلحوه ما وراءه وما أمامه وأصبح اكثر عرياً من أبوبريص بحيث تظهر أنساغه وشرايينه، ويتحول بكامل جسده الى عورة، لكن ليس بالمعنى المادي بل بالمعنى التاريخي والسياسي!
والمرات التي تم بها تشليح العرب عديدة تارة باسم السلام، وتارة باسم الحرية وكأن تسليحهم مشروط بأن لا يستخدم هذا السلاح الا في حالة واحدة فقط هي الانتحار سواء كان فرديا أو جماعياً من خلال حرب اهلية.
ان ما يجري الآن اكثره جوفيّ لا نراه ويبدو ان ما وراء الأكمات والغاطس من هذه الجبال الجليدية أو الكثبان هو أضعاف ما نراه بالعين المجردة، وثمة قرائن عديدة توشك ان تجزم بأن المطلوب في العقد الثاني من هذا القرن هو تضاريس عربية عارية، فثمة خرائط يجري رسمها وبمقياس رسم غير مسبوق، لم يعرفه السيدان سايكس وبيكو ولم يجرب حتى في البلقنة.
ودواعي الحذر والتريث لقراءة ما بين السطور أو ما بين أعمدة الدخان كثيرة، منها ان الخاسر في الاول والآخر هم العرب أنفسهم، اما الاهداف التي تسجل فهي في مرمى الفريق ذاته بمعزل عن أدبيات الانتقام والثأر وتصفية الحسابات، واذا كان المطلوب من المثقف العربي ان يكون ورقة يابسة في مهب العواصف فان لهذا المطلب ثقافة اخرى، اما اذا كان المثقف مطالباً بقراءة المشاهد بشكل بانورامي ومن كل الزوايا، فان كل ما يتم تداوله الآن عبر الميديا هو اختزال مخل وبه الكثير من الحذف، فالعرب يعانون منذ زمن طويل من فائض الخوف والعسف والطغيان لهذا يكون انفجار المكبوت المزمن والمؤجل عاصفاً وتسونامياً، وقد يخلط الاوراق، واذا كان المطلوب من الشرق الاوسط حسب الطبعة الامريكية والاطلس الجديد ان يتحول الى ركام مغطى بالحرائق والدخان والغبار، بحيث لا يبقى فيه آمناَ ومستقراً وساعياً الى الأمام لاستكمال برنامجه الاستيطاني سوى اسرائيل فذلك أمر يتطلب مقاربات أخرى.. ولا ندري كم هو المسموح منها الآن!!(الدستور)