الأردن وعضوية «مجلس التعاون»
ليست المرة الأولى التي تثار فيها مسألة «عضوية» الأردن في مجلس التعاون الخليجي، ولست متأكداً من أن الموضوع مطروح جدياً على جدول أعمال دول المجلس هذه الأيام...ما أنا على يقين منه، أن هذا الموضوع القديم إن طرح، وإن طرح بشكل جدي وجاد، فإن مرد ذلك سيكون عائداً للظروف الجديدة التي تشهدها المنطقة.
دول مجلس التعاون، تعيش في ظروف جيوسياسية متغيرة، وتجابه أنماطاً جديدة من التحديات، لم تعهدها طوال القرن الفائت...إيران قوة إقليمية يُحسب لها ألف حساب...تركيا قوة ناهضة ومستقبلية...إسرائيل حاضرة في كثير من ملفات المنطقة وأزماتها...مصر تستعيد مكانتها وموقعها ووزنها، «...الثورات تجتاح دولاً صديقة وغير صديقة لدول المجلس، بعضها أو جميعها...لا بل أن الثورات والانتفاضات تجتاح دول المجلس ذاتها، وكما لم يحدث من طول السنوات الأربعين الفائتة.
تواجه دول المجلس الأخطار والتهديدات التالية: ...خطر أمني متجسد في القاعدة وتفريعاتها في اليمن وجزيرة العرب...دول فاشلة على تخوم المجلس وحدوده (اليمن نموذجاً)...مد شيعي حاكم في العراق وممتد إلى اليمن ماراً بالبحرين والكويت والإمارات والمنطقة الشرقية، أي أن دول هذه المجموعة، بدأت تشعر أكثر من أي وقت مضى، أنها تقع على «فالق الانقسام السني-الشيعي».
فضلا عن الجوار الإقليمي، متزايد القوة والنفوذ، تشعر هذه الدول، بأن اعتمادها على الغرب لا يمكن أن يكون «استراتيجية»، أو على الأقل، لا يمكن أن يكون «استراتيجية مطمئنة»، وهي التي شهدت كيف تخلّى الغرب عن حلفاء كبار وصغار له، وكيف باعهم في لحظة انقلاب موازين القوى (وليس صحوة ضمير) كما قد يظن البعض.
في مواجهة هذه البيئة المتغيرة، تفكر دول مجلس التعاون الخليجي، بأن الوقت قد حان لإعادة النظر في كثير من السياسات والاستراتيجيات والتحالفات...هناك من قفز إلى الباكستان والصين وروسيا وكل الدول التي تناهض التغيير والثورات في العالم العربي، بحثاً عن مزيد من الطمأنينة، من دون قطع أو انقطاع مع واشنطن والغرب عموماً...هناك من يستشعر مخاطر خروج مصر من قبضة الديكتاتورية والانصياع لأوامر المايسترو الأمريكي إلى فضاء الحرية والتعددية والديمقراطية والمواقف المستقلة...هنا من يستشعر مخاطر انفلات الوضع في سوريا أيضا،...هناك من يعتبر أن العراق قد سقط كلياً في قبضة الأعداء، بدلالة موقفه من أحداث البحرين، وهو الموقف الذي كلّف بغداد حرمانها من استضافة القمة المقبلة.
في هذه المناخات، تجهد دول المجلس الأساسية في منع انزلاق الحزام المحيط بها إلى أتون «الثورات والانتفاضات» الذي يغلي على مرجل المظاهرات والاعتصامات التي تجتاح المنطقة برمتها، وبعد رزمة المساعدات الكبرى لعُمان والبحرين، هناك رُزم أقل حجماً قد تخصص لليمن والأردن، تدعيماً لحالة الاستقرار فيهما.
بالنسبة للأردن، ربما يكون هناك أسباب أخرى لتطوير العلاقة معه وتخطي كل الحساسيات التاريخية والراهنة، منها طبيعة نظامه السياسي، الملتقي والمختلف، مع النظم الملكية الحاكمة في الخليج...ومنها تمتعه بدرجة عالية من الأمن والاستقرار...ومنها قدراته وخبراته الأمنية، وما يمكن أن يقدمه من «قيمة مضافة» لنظرية الأمن والدفاع الخليجية.
قد يكون انضمام الأردن لدول المجلس، إضافة نوعية له ولمواطنيه...قد تكون خطوة كهذه بمثابة جواز مرور من الضائقة الاقتصادية الخانقة...
والخلاصة، أن انضمام الأردن لنادي دول مجلس التعاون الخليج، موضوع قديم يطرح في ظروف جديدة، وربما تكون له في قادمات الأيام، فرص لم يتوفر عليها من قبل، فلننتظر لنرى.(الدستور)