وتستمر المأساة في الضفة الغربية
كل دعوات الحوار ودموع التماسيح التي تُذرف في رام الله على الانقسام الذي يهدد القضية ويسمح لنتنياهو بتهويد القدس وتصعيد الاستيطان، كل ذلك لم يؤد إلى هدوء ولو نسبي في وتيرة القمع اليومي الذي يطال حركة حماس، وبدرجة أقل حركة الجهاد، مع كل ما يمت إلى فكر المقاومة بصلة.
لسنا بالطبع من أولئك الذي يعتبرون الانقسام معضلة المعضلات، فقد مرّ زمن طويل كان كل شيء خلاله تحت سطوة السلطة، ولم يكن أحد ينبس ببنت شفة اعتراضا على ما تفعله، لكن ذلك لم يؤد إلا إلى المزيد من سعار الاستيطان والتهويد، كما لم يؤد إلى الضغط على الحكومات الإسرائيلية لكي تقدم للسلطة عرضا سياسيا يمكن التفكير بقبوله.
حدث ذلك أيام ياسر عرفات ما بين أعوام 93 وحتى نهاية أيلول من العام 2000، تاريخ اندلاع انتفاضة الأقصى، وها نحن نكتشف من خلال وثائق المفاوضات أن السلطة الحالية قد قدمت عروضا مغرية للطرف الإسرائيلي أيام حكومة (أولمرت/ ليفني)، لكنها لم تؤد إلى تسوية تذكر (تصاعد الاستيطان على نحو غير مسبوق أيامها)، ويعلم الجميع أن مشكلة غزة لم تكن هي السبب بحال من الأحوال.
حكاية إنهاء الانقسام هي مجرد ذريعة يتهربون من خلالها من استحقاق فشل المفاوضات واستمرار الاستيطان والتهويد، والسبب أنهم لا يريدون الاعتراف بأن الاستمرار في السياسة الراهنة ليس من ورائه سوى تأبيد النزاع من خلال دولة «مؤقتة» تجري صياغتها بتنفيذ سلام فياض وبرعاية الجنرال «مايكل مولر»، خليفة الجنرال دايتون.
هم بالطبع يدركون أن البديل هو المقاومة (لننس المقاومة المسلحة، ونتحدث فقط عن المقاومة السلمية الشاملة التي تعني الاشتباك مع حواجز وجنود الاحتلال في كل مكان)، ولأنهم لا يريدون شيئا كهذا خوفا على «مسيرة بناء المؤسسات» التي يتحدثون عنها (اكتملت برأيهم في انتظار إعلان الدولة)، وقبل ذلك إدراكا منهم لحقيقة الكلفة التي ينبغي أن يدفعوها كقادة في حال ساندوا قرارا من هذا النوع، سواءً على صعيد شخصي، أم على صعيد الأبناء والأقارب الذين ستتضرر أعمالهم وشركاتهم. لأنهم يدركون ذلك، فإن الخيار المفضل هو وضع كافة الحواجز الممكنة أمام مبادرة الجماهير نحو مسار من هذا النوع كما فعلت في انتفاضة الأقصى، وهي خطوة ستلتحق بها الفصائل وتضمن استمرارها.
لمواجهة احتمال من هذا النوع يصل القوم الليل بالنهار من أجل ضرب عناصر التحدي والمقاومة في الشعب الفلسطيني، بدءًا من المساجد التي ينبغي عليها أن توقف التحريض ضد الاحتلال، وتصادر تبعا لذلك ويعيَّن خطباؤها من اللون المساند للتوجهات القائمة، وحتى الجامعات التي تحتضن الأجيال الأكثر قابلية للانخراط في برنامج المقاومة، والتي تجري السيطرة عليها من قبل دوائر الأمن ومرتزقة الطلبة الذين يجدون في الالتحاق بحركة فتح وسيلة للتكسب. وقد تابعنا كيف تجاوزت نسبة المقاطعة في عدد من انتخابات الجامعات الخمسين في المئة (54 في المئة في جامعة الخليل، 56 في المئة جامعة بير زيت، 63 في المئة جامعة القدس)، وحدث ذلك بسبب دعوة حماس للمقاطعة، مع العلم أن نتائج شبيبة فتح قد تراجعت بشكل ملحوظ، في حين تقدمت قوى اليسار، ما يعني أن الذين شاركوا كان بعضهم يفعل ذلك فقط من أجل انتخاب آخرين غير فتح التي حصلت على 24 في المئة في بير زيت و28 في المئة في الخليل.
لم تتوقف أدوات القمع بكل صورها، ففي شهر آذار وحده اعتقل 70 شخصا من بينهم 44 أسيرا محررا، وقام الاحتلال باعتقال 52 من الذين أفرج عنهم من سجون السلطة (لاحظ التبادلية بين الطرفين). وتواصلت الاستدعاءات لزوجات المعتقلين والأسرى، فضلا عن التعذيب في السجون (عدد المعتقلين الحالي 420، منهم 300 أسير محرر).
هكذا يعمل بالقوم بجد وإخلاص من أجل أن يحولوا بين الشعب الفلسطيني وبين أن ينتفض في وجه جلاده، وفي وجه الاستيطان والتهويد، مع العلم أن إشغال الناس بالمال والأعمال والتعاون مع الاحتلال هو جزء لا يتجزأ من مخطط إعادة تشكيل الوعي وشطب روح المقاومة وتثبيت واقع السلطة/ الدولة الذي يرعاه الأمريكان والإسرائيليون، بينما يقدمه أولئك بثوب وطني قد يمر على البسطاء، بينما يروجه المنتفعون وهم يعرفون حقيقته تمام المعرفة.(الدستور)