نخاع الثورات

تم نشره الإثنين 25 نيسان / أبريل 2011 01:07 صباحاً
نخاع الثورات
خيري منصور

ما يكتبه البعض ممن لا يجيدون قراءة التاريخ والحاضر ايضا، اضافة الى قصور في الخيال يحرمهم من استشعار القادم يبدو كما لو انه تصفية حسابات عشوائية مع الثقافة العربية والمثقفين، وكأن ما يجري الان وفي كل اوان نباتا شيطانيا منقطعا عن كل ما مضى، وحين تجري المقارنات عشوائيا ايضا مع الثورات الكبرى او الكوبرنيكية في التاريخ يتم حذف الجذر المعرفي لتلك الثورات، فالثورة الفرنسية لم يضعها الزاحفون الى الباستيل وحدهم وكذلك الثورة الامريكية وثورة اكتوبر الروسية وثورة يوليو المصرية، تلك الثورات مهد لها وعبد الطرق الوعرة اليها مفكرون ورواد وفنانون منهم من حرم من الدفن في ارضه كما حدث لفولتير ومنهم من القي رأسه في سلة النفايات كعالم الفيزياء لافوازييه.

ومنهم من احرق حيا او عاش حتى الموت في منفاه.. وحين يقال ان فلانا الروائي او الفيلسوف او الشاعر خرج من معطف فلان الذي سبقه فالمقصود بذلك ابعد من رسم بياني لسلالات الابداع، اذ لولا ذلك الجذر لما نهض هذا الجذع ونبتت عليه الاغصان وبالتالي العناقيد.

لم يكن عبدالناصر منقطعا عن احمد عرابي الذي ثار على الخديوي ودفع الثمن اذ تعفن في بيته بلا دفن وبصق عليه احد المارة وهو ذاهب لاداء صلاة الفجر.

ولا يمكن حذف سعد زغلول وثورة عام 1919 وريادة طلعت حرب ودوره العظيم في التحديث والاقتصاد الوطني من اي حراك مصري ومعمار الهرم يتولى الاجابة فلا رأس بلا قاعدة وسفوح.

ما يحدث الان في العالم العربي قد يكون مثقفو ربع الساعة الاخيرة غائبين عنه، لانهم اخر من يعلم بسبب انتهاكهم في البحث عن فضائيات ترمم النقص في ابداعهم او عن علاقات عامة تسعى الى جراحات تجميلية لكل ما افسده الدولار والدينار واليورو وسائر العملات!.

من يزعم الان ان الكواكبي ورشيد رضا وحتى جمال الافغاني وسليمان الحلبي وحافظ ابراهيم ونجيب سرور وامل دنقل خارج المشهد؟

وقد اذهب الى ما هو ابعد واقدم فالمح ابن اياس والجبرتي وحتى ابن خلدون في خلفية المشهد.

الثقافة المطرودة من حياتنا العربية بالعصا والبنادق والتجويع، تحولت الى ناي ضاع صوته تحت ضجيج قرع الطبول، وحين سمعت في طفولتي من والدتي عبارة طبل وغطى على النايات بقيت مسكوناً بهاجس مزمن هو الخوف من الطبول اذا قرعت لأنها جوفاء.

ان لم تكن الثقافة في بعديها الانساني والتربوي في الصميم من أية ديناميات بشرية فان الحصيلة تصبح في خطر، ويتحول الحلم العظيم الى احتفال موسمي، ويضيق الوطن حتى يصبح بمساحة علم أو نشيد فقط.. ما يحدث ان كان بالفعل افرازاً عضوياًً لغضب أصيل هو نتاج ثقافة مضادة للسائد لهذا فهو ليس مناسبة لتصفية حسابات الأميين وأشباه المتعلمين مع الثقافة التي هي أعمق من اللحم والعظم والدم لأنها النخاع ومكمن المناعة وسر النبض!

من حق شهداء العرب ومن افتدوهم منذ الدم الاول ان يظفروا بباقة ورد في أي انتصار للاحفاد أو احفاد الاحفاد..

وما قاله الفرنسي بول فاليري جدير بالاستذكار في كل مناسبة كهذه.. وهو ان من يشعر للحظة بأنه أطول قامة من أبيه أو جده فلأن أحدهما يحمله على كتفيه..

لقد اشتعلت ثورات عديدة في العالم وكان اختبار جدارتها بالبقاء والتمدد نحو المستقبل نخاعها الثقافي لهذا فان الثورات لا تتجزأ بحيث تكون سياسية أو عسكرية فقط ومن لا يرون الثقافة في هذا المشهد هم الذين لا يعرفونها!!(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات