اقتصاد السوق الاجتماعي

جميع اقتصادات السـوق في العالم اجتماعية في الوقت ذاتـه، والفرق بين اقتصاد وآخر في الدرجة وليس في المبدأ. وحتى في أعرق البلدان الرأسمالية تجـد أن الجانب الاجتماعي موجـود بقـوة ووضـوح.
كلمة الاجتماعي في هـذه الحالة تصف الاقتصاد ولا تصف السوق، فالسوق وعوامل العرض والطلب تعمل بشكل مستقل عن جميع الاعتبارات الاجتماعية والسياسية، أما الاقتصاد فيمكن أن يوصف بالاجتماعي إذا احتوى ضمانات معينة مثل: التأمين الصحي، رواتب التقاعد، التأمين ضد البطالة، وشـبكات الأمان للضعفاء في المجتمع.
اصطلاح اقتصاد السوق الاجتماعي كـان وارداً في أدبياتنـا السياسية، ولكنه اكتسب أهميـة خاصة عندما طرحه الدكتور معروف البخيت، رئيس الوزراء كفكـرة قابلة للحوار.
التوظيف السياسـيً لنظام السـوق الاجتماعي، هدفـه التموضع في المركز الوسـط بين اليمين واليسـار، مما يحظى بالقبول، خاصة وأن البخيت مفكر وصاحب رؤية سياسـية واجتماعية قبل أن يكون مسـؤولاً تنفيذيـاً.
الاقتصاد الأردني يعتمـد نظام السوق الاجتماعي، فهـو قليل التدخـل في عوامل السوق ولكن معظم مخصصات الموازنة العامة مكرس لأهداف اجتماعية كرواتب التقاعـد، والتأمين الصحي، والتعليم المجاني، وصنـدوق المعونة الوطنية، ودعم الخدمات والسلع الأساسية.
في بلدنـا تميل الكفـة إلى الجانب الاجتماعي في مجال الأولويات، بدليل التضحية بالاعتبارات المالية خدمـة للأغراض الاجتماعية، وإلا فما معنى العجـز في الموازنة وارتفاع المديونية لولا المبالغة في النفقات الاجتماعية.
في المناخ الراهن يبـدو كأننا نريد أن نهـدم كل ما أنجزنا ونبـدأ من الصفر، فكل ما تم حتى الآن من قوانين وأنظمة وهيئات واتجاهات وضع تحت المراجعة، وفي بعض الأحيـان أصبح التغيير هدفـاً بذاته. وليس صحيحاً ما يقال من البناء على إنجـازات السابقين وتراكم الخبرات، فكل حكومة جديـدة تجد أن أول واجباتها إلغاء قرارات وإجراءات الحكومة التي سـبقتها.
الافتراض العام أن كل ما لدينا خاطئ وفاسد ويجب إدانته وتغييره بالاتجاه المعاكس: قانون الانتخاب، قانون الأحزاب، الدستور، البرلمان، التخاصية، الهيئات المستقلة، المركزية واللامركزية، مدونة السلوك، الإعلام، وكل شيء.
ليس كل ما لدينا مثالياً ومقدسـاً، ولكنه خلاصة ثلاثـة أجيال من عمر الدولة الأردنية، فلا يجوز شـطبه بجرة قلم والقفـز إلى عالم المجهول.(الراي)