قطعان وعميان
في واحدة من دراسات عالم الاجتماع, تونيز, فان الفرق بين العبد العمومي الذي يبحث عن سيد يبجله صباح مساء بوصفه المتكرم المتفضل الذي لم تنجب النساء مثله, وبين المواطن الحر الذي لا يبجل احدا, هو الفرق بين الجماعات البشرية البدائية حتى لو كانت تعيش في مدن حديثة (يسميها جماعات القرود) وبين المجتمعات المدنية. فالاولى حيث تذوب وتغيب شخصية الفرد - الانسان المستقل في القطيع تحل محلها شخصية العبد العمومي الذي يظن نفسه حرا, وغالبا ما يعكس (نموذجا انثويا) رغم شاربه العريض وعنعناته, فيما تنتج المجتمعات المدنية شخصيات مستقلة لا تكترث بالزعيم..
وتتراوح مجاميع القطيع العمودية بين ثقافة قصيرة التيله (الزعيم الارضي) وبين ثقافة اعلى من ذلك, فيما تنسجم ثقافة المجتمعات المدنية (الافقية) بسبب طابعها التعددي الديمقراطي..
وكلما كانت مجاميع القطعان البشرية تعيش ضمن اقتصادات تابعة ذات جذور شبه رعوية وشبه زراعية, كلما كان ولاؤها اعمى وخطر على من حولها فيما يعرف, تارة بالازاحات البطركية (نحو السيد الفحل) وتارة بالعدوان التحويلي نحو خصوم السيد الذي يتعاملون معه كشخص عادي مثل بقية خلق الله..
ويلاحظ هنا ان شخصية العبد الذي يظن نفسه حرا شخصية مركبة من الساديه (الذي يتمتع بتعذيب نفسه) ومن المازوخيه الذي يتمتع بالتعذيب غير المرئي من قبل السيد له.
وليس بعيدا عن ذلك ما يعرف (بالشعوب الرجعية) مثل الشعوب السلافية الذين شكلوا في القرن التاسع عشر ما سماه ماركس بالقلاع الامامية للقيصرية الروسية.. ولقد شهد التاريخ حالات اخرى عديدة مشابهة كانت فيها السمة العامة لشعب بكامله هي سمة العبد العمومي الذي يلهج بالدعاء صباح مساء لولي نعمته ولا يبالي بالموت من اجل هذا السيد..
هذا عن القطعان والعبيد والبلطجية, اما عن العميان فالمقصود هنا الاوديبية المضادة (فقأ العيون العدواني) وليس الناجم عن الندم.. والمشترك بينهما ما يعرف بالقدر الاغريقي الذي لا راد له ولا سيما عند الظاهرة المضادة فيما يخص الرؤساء الفاسدين المستبدين الذي يفقدون البصر والبصيرة معا في ضوء بريق الخناجر والذهب.. ويظنون انهم في بروج مشيدة وان العقاب لن يطالهم ابدا ويقتلون ويسرقون بلا رقيب او حسيب, من دون ان يعرفوا او يلتفتوا مرة واحدة الى دروس التاريخ ومزابله التي انتهوا اليها سيدا سيدا, ودفنوا فيها مع عبيدهم, عبدا عبدا.(العرب اليوم)