عندما تكتب أم بكر «والدة الإرهابيين» عن معاناتها
ذات مرة قال لها الضابط الصهيوني عندما أصرّ على حرمانها من زيارة أبنائها في السجن «إنك لا تنجبين سوى الإرهابيين»، وكان أن سمح بزيارة الأب بعد سنوات من الحرمان، فكانت الزيارة الأخيرة التي توفي بعدها عليه رحمة الله.
إنها أم بكر، زوجة الشيخ سعيد بلال، ووالدة الأسرى (بكر، معاذ، عبادة، عثمان)، وهم جميع أبنائها، ثم الحفيد سعيد، وزوجة الابن عبادة (نيللي الصفدي).
عندما خرج الابن البكر (بكر) قبل أيام من سجون الاحتلال بعد ثلاث سنوات جديدة قضاها في الاعتقال الإداري، سبقتها سنوات أخرى كثيرة، كانت الأم في انتظاره لكي يخفف من جراحها ويقف معها في مرضها، لكن تلاميذ الجنرال دايتون، ومن بعده مايكل مولر لم يمهلوه سوى يومين، إذ اعتقلوه ثانية، هو الذي سبق أن اعتقل مرارا في سجونهم قبل أن يسلموه لاحقا بطريقتهم إلى الاحتلال.
يشار إلى أن بكر قد خرج من سجون الاحتلال، تاركا خلفه في الأسر ابنه البكر سعيد (21) عاما المعتقل منذ نهاية العام الماضي، بالإضافة إلى أشقائه الثلاثة: معاذ المعتقل منذ العام 1998 (يقضي حكما بالسجن المؤبد 26 مرة)، وعثمان المعتقل منذ 17 عاما ويقضي حكما بالسجن المؤبد، في حين لا يزال شقيقه الثالث (الضرير) عبادة المعتقل منذ 9 سنوات، ويقضي حكما بالسجن لـ 11 عاما في انتظار حكم إضافي فوق حكمه بتهمة توجيه نشاط ممنوع من داخل السجن عن طريق زوجته (نيللي الصفدي) كما يفهم من السياق، والتي اعتقلت هي الأخرى منذ شهور طويلة ولا تزال قيد الاعتقال.
كل هذه المعاناة لأم بكر لم تفلح في كسر عزيمتها، لكن اعتقال الابن البكر (بكر) بعد يومين من خروجه من أسر الاحتلال قلّب عليها المواجع كما يقال، فكتبت تصف معاناتها بالقلم هذه المرة، هي التي طالما تحدثت لوسائل الإعلام. كتبت بعنوان «والله المستعان على ما تصفون». ونحن هنا لا نملك إلا أن ننقل كلمات هذه السنديانة الفلسطينية الرائعة، وكلنا ثقة أن شعبنا الفلسطيني سيسمع صرختها، ومن ورائه أمة رائعة لا تخذل عناوين البطولة والتضحية، لكننا نؤمن أكثر بأن ربها الكريم الرحيم هو وحده القادر على أن يجزيها عن معاناتها وصبرها «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب».
كتبت أم بكر بكلمات بسيطة ومعبرة فقالت:
أتساءل ماذا فعلت هذه العائلة ؟! هل من قام بواجبه أخطأ ؟! هل من أطاع الله أخطأ ؟! هل من أحبّ وطنه أخطأ ؟! هل من يعطي أغلى ما يملك لهذا البلد الطيب المقدس أخطأ ؟!
في اعتقادي أنه واجبٌ مقدسٌ، ومن لم يفعل ذلك فلا يحقّ له أن ينتسب لفلسطين التي هي جنة الله على الأرض. أتساءل: هل أخطأت أم بكر بلال، وهل أخطأ أبو بكر - رحمه الله- عندما ربيا أبناءهما على طاعة الله وحبّ فلسطين؟! هل أخطأنا عندما رفضنا الهجرة رغم كلّ المغريات؟!
لا زلت أتساءل: ماذا فعل ابني بكر الذي بلغ الثامنة والأربعين من عمره ليُحرم من المكوث مع أمّه العجوز وأبنائه الذين اشتاقوا لرؤيته منذ ثمانية أعوام بسبب مطاردته من الاحتلال ثمّ اعتقاله السابق في سجونه، ثم اعتقاله عند السلطة أكثر من مرة، ثم خروجه لمدة عشرة أيام فقط، ثم اعتقاله من قبل قوات الاحتلال لثلاث سنوات، وها هو يخرج ثانية لتتلقفه السلطة مرة أخرى، علما أنه خرج يعاني من آلامٍ كثيرةٍ ولم يُسمح له بالعلاج؟! هل هذا جزاء من أحبّ وطنه وقام بواجبه نحوه؟؟ قد يقولون نعم - أخزاهم الله-.
أما عبادة فبدأ اعتقاله منذ سن الرابعة عشرة، فمكث في السجن ما يقارب أربع سنوات وأدّى امتحان الثانوية العامة في السجن، وعندما خرج أردنا أن نزوجه ونسرق الفرحة من بين أنياب الحزن؛ إذ سبقه أخواه عثمان ومعاذ في الحكم بالمؤبدات المتكررة، ولكن بعد زواجه بأسبوعين فقط اختطفته أجهزة أمن السلطة فمكث عندهم ستة شهور، وعند اجتياح نابلس بعد انتفاضة الأقصى تمّ تسليمه لجيش الاحتلال وحُكم عليه أحد عشر عاما، ثم لحقت به زوجته بعد سبع سنوات. ولحق ببكرٍ ابنه سعيد بعد الإفراج عنه من قبل السلطة ليُحكم بالسجن ست شهور إداريا، ومن العجب أن بكر لم يجلس مع ولده سعيد وقد بلغ سن الرجولة إلا داخل السجن!!
أستحلفكم بالله، ماذا فعلت هذه العجوز حتى تُحرم من أبنائها وأحفادها وقد تجاوزت الستة والستين عاما؟! ألا يحق لها أن تملأ عينها من ابنها بعد ثماني سنوات من المطاردة والاعتقال؟! ألا يحقّ لها أن تجد من يواسيها في مرضها؟! ولكننا رضينا ونرضى بكلّ هذا احتسابا لوجه الله تعالى.
وأقول لسلطتنا العريقة: إنّ هذه الشجرة ستبقى مورقةً خضراء، أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء. وأقول لهؤلاء ومن تبعوهم ومن جعلوا أنفسهم خدما لهم: والله الذي لا إله إلا هو إنني لو امتد بيَ العمر، فلن أربي أحفادي إلا على ما ربيت عليه أولادي، وسأحمّلهم الرسالة من بعدي وليكن لهم عبرةً بما حصل لمن سبقهم من خدم العدو. (انتهى كلام السنديانة الفلسطينية وليس لنا بعده أي كلام).(الدستور)