المبادرة والإبداع سبيلنا للتقدم

في عالم اليوم لم تعد الموارد الطبيعية للدول « نفط ماء معادن ...الخ) هي الثروة القادرة على إسعاد الشعوب والأوطان، وإنما هناك عناصر أخرى أهم وأكثر عمقاً وتأثيراً ومردوداً لعل من بينها وبامتياز «الأفكار الإبداعية الخلاقة» التي وباستثمارها على الوجه الصحيح، يمكن لها أن تفجر نعمة كبرى للشعوب، والعالم من حولنا مليء بالأمثلة، سويسرا مثلاً دولة عظمى في إنتاج الوقت «الساعات السويسرية»، اليابان دولة عظمى في إنتاج التكنولوجيا المتطورة، ماليزيا دولة عظمى في إنتاج التنمية المستدامة، دبي لولا التوسع الهائل في المدخلات دولة عظمى في إنتاج المشروعات المولدة للمال، وهي كذلك. فالمبادرات الرائعة للشيخ محمد بن راشد شخصياً ومعه أعوانه جعلت من إمارة دبي وجهه مطلوبة لأكبر رؤوس المال ولكبار المستثمرين!.
باختصار فإن الاستثمار في العقول القادرة على المبادرة المبدعة لإنتاج أفكار خلاقة ومقترحات عظيمة، بات هو الاستثمار المميز في الدول التي تفتقر إلى موارد طبيعية ومواد خام من شأنها إحداث ثورة صناعية منتجة للدخل، وقطعاً فلدينا في الأردن أكثر من ميزة يمكن تفعيلها معنوياً وإجرائياً عبر روح نشطة من المبادرة الإبداعية والاستثمار النزيه في العقول المؤهلة لاجتراح أفكار نيرة لاستنهاض تلك الميزات في مجالات الطب والتعليم والسياحة وبالذات الدينية والعلاجية، والزراعة والخدمات وغير ذلك، وصولاً إلى وضع يمكننا معه الاستغناء عن استجداء المساعدات وبلوغ مرحلة الاكتفاء، والأفكار الخلاقة كثيرة ومتشعبة على هذا الصعيد ولا يحتاج الأمر إلا إلى المبادرة!.
وكمثال بسيط على ذلك، فإن مبادرات وطنية مخلصة لاستثمار المكانة الدينية والطبية والتعليمية للأردن من شأنها إحداث حراك اقتصادي اجتماعي ثقافي عظيم، فالأردن يتوفر وعلى سبيل المثال لا الحصر ... على مقامات الصحابة الأجلاء، والشجرة التي استظلها الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه ولا اعتقد أن كثيراً حتى من مواطنينا يعرفها، وهناك بحيرة «لوط» بموروثها الديني العظيم وحادثة قوم لوط والنبي موسى عليه السلام، وهناك أخفض بقعة على سطح الكوكب، وهناك موقع التحكيم والمغطس ونهر الأردن المقدس وحادثة «الراهب بحيرة» وموقعة اليرموك ومؤتة والتميز الطبي والتعليمي حيث عشرات الجامعات وآلاف العلماء في مجال الطب وتفاصيله وعظمة جمال عجلون وزي... ولا يتسع المجال للتعداد، في وقت نعرف فيه دولاً أخرى تزين أمراً حتى «جحراً مفلطحاً» وتجعل منه قيمة تاريخية دينية تثري حياتها وسمعتها ووجودها.
لا علينا، نحن لسنا دولة صناعية ولن نكون، ولسنا دولة منافسة أبداً في مجال التكنولوجيا الحديثة ولن نكون، والاستثمارات لا تأتينا بمجرد عقد ندوات واستضافة سياحية يقال لنا أنها استثمارية وعلى حساب جيوبنا وعرض «سلايدات» ومقدمات وما شابه!..، نحن دولة صغيرة إمكاناتنا الطبيعية متواضعة وليس أمامنا إلا الاستثمار في العقول الوطنية إن جاز التعبير، لإنتاج أفكار عظيمة ومبادرات مميزة مؤهلة لأن تنتج مالاً وتدر دخلاً يكفينا مؤونة العصر في وقت نبدو فيه كالجالس على حافة النهر ويستجدي الماء بعد إذ أصابته غشاوة لكثرة اللغط واستشراء الفساد والجلوس انتظاراً للفرج دونما أدنى مبادرة!.
أسأل الله جلّ في عُلاه أن يهدينا سبيل الرشاد، وأن يُقَوّم مسارنا نحو الالتفات الصادق إلى ما حبانا الله العزيز من نعم لا تُحصى، فهذا هو رزقنا ونصيبنا وعلينا استغلاله كما يجب، والكف عن سائر الأوهام التي يحشوها عبثاً في عقولنا وفي حياتنا ومنهج دولتنا أفراد منعمون ليس لهم بحياتنا صلة، وليسوا مسؤولين ولو أدبياً عما آل إليه حالنا رغماً عنا وعن مقدراتنا الهائلة بفضل الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهو من وراء القصد.(الراي)