خرافة الاكتفاء الذاتي

لا يوجد شيء اسمه الاكتفاء الذاتي في عالم اليوم، وإن وجد وجاز اعتباره هدفا فإنه غير قابل للتحقيق في أي قطر عربي أو في الأقطار العربية مجتمعة. والحديث بطبيعة الحال عن الغذاء وخاصة القمح والسكر واللحوم الحمراء والألبان والزيوت النباتية والأعلاف، ولكنه ينطبق على كل السلع الاستهلاكية.
تبلغ الفجوة الغذائية في الوطن العربي حوالي 15 مليار دولار سنويا، وهي أمر طبيعي ومتوقع ليس فقط بسبب أساليب الزراعة التقليدية المتخلفة بل أيضا لأن أرض العرب، وإن كانت تشكل 10% من مساحة اليابسة، إلا أنها لا تتمتع سوى بنصف الواحد بالمائة من مياه العالم المتجددة. كما أن 8% فقط من هذه الأرض يصلح للزراعة والباقي صحارى قاحلة وبوادي مجدبة وجبال جرداء.
هذا لا يعني أن العرب لا يجب أن يهتموا بالزراعة ويخططوا لزيادة الإنتاج الزراعي، ولكن لا فرق بين إنتاج الغذاء وإنتاج غيره من السلع اللازمة، ولا بين إنتاج سلعة عجز كالقمح أو سلعة فائض كالفوسفات، فالمهم أن يعادل إنتاجنا استهلاكنا أو يزيد. والأهم أن نركز على إنتاج السلع والخدمات التي نتمتع فيها بميزة نسبية وتنافسية في السوق العالمية، بحيث نصدر ما يفيض من إنتاجنا ونستورد ما يلزمنا.
أما الأمن الغذائي بمعنى الاكتفاء الذاتي فهو خرافة، والتهديد بمنع تصدير القمح أو غيره من الموارد الغذائية غير موجود في عالم اليوم، وحتى الحصار الشديد على العراق لم يشمل القمح والمواد الغذائية. وفي العالم دول عديدة تنتج القمح، وهي تتنافس على المشترين. وحتى في عز الحرب الباردة بين المعسكرين لم يخطر ببال أمريكا أن تمتنع عن تصدير القمح إلى الاتحاد السوفياتي، أولا لأن مصلحتها في البيع لا تقل عن مصلحته في الشراء، وثانيا لأنها إن حاولت المقاطعة حل بلد آخر محلها فتكون هي الخاسرة. وإذا ارتفع سعر القمح لدرجة مانعة فيمكن بسهولة التحول لإنتاجه بدلا من سلعة أخرى، فإنتاج القمح ليس مشروعا طويل الآجل بل متاح دائما.
الأمن الغذائي يتحقق بإنتاج الغذاء أو باستيراده، شريطة القدرة على دفع الثمن، ويتطلب طاقة تخزين استراتيجي ملائمة.
ليس هناك أمن غذائي أو اكتفاء ذاتي بل أمن اقتصادي شامل يتحقق بالتوازن، بحيث ينمو الإنتاج المحلي ولا تقل الصادرات عن المستوردات، فالعالم كله متكامل في السوق العالمية.(الراي)