التعذيب بالغاز!

صدقوني اننا ونحن نخسر مليوني دينار مع مطلع كل شمس كما يقدر الدكتور معروف البخيت نتاج انقطاع الغاز المصري عن مرافقنا فإننا نتعذب به وهذا يشكل نزيفا قويا للموازنة وأعباء أخرى متراكمة ويطرح ذلك أكثر من سؤال تكمن إجاباتها في أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية..علينا بحثها جميعاً وليس بعضها..
لنضع الأشياء على الطاولة ونناقشها بشفافية بعيداً عن الكيلشهات والتأجيل والهروب إلى الأمام فهناك استحقاقات اقتصادية نلمسها الآن وتنعكس على حياتنا اليومية حين ترتفع أسعار الطاقة وما يمثله ذلك من ارتفاع أسعار السلع والخدمات ويزيد الطين بلّة على المواطنين الذين يعانون أصلاً ما قبل رحلة «التعذيب» بالغاز!!
فجأة نجد ان الغاز المصري بعد ثورة 25 يناير قد توقف لأسباب لا يجوز احالتها على المجهول او عدم الصراحة بذكرها..فالشارع المصري في غالبيته لا يريد ان يرسل غازاً لاسرائيل وقد عبّر عن ذلك بأكثر من وسيلة حين كان النظام المخلوع في السلطة وعاود التعبير الآن بوسائل اخرى أيضاً تكررت وفي اتجاه يبدو أنه يتصاعد خاصة وأن بعض شعارات المرشحين لانتخابات الرئاسة المصرية القادمة يتحدث عن وقف الغاز لاسرائيل بعد أن ثبت فساد كبير في صفقاته وبيع رخيص له يهدد ثروة الشعب المصري ويبددها وعن اعادة فتح لمعاهدة كامب ديفيد والنقاش فيها واعادة الاعتبار لمصر وحقوقها وجملة من المواقف والاجراءات لن تحجب طويلاً عن التداول والتنفيذ..
لسنا مستهدفين في الأردن لذاتنا وإنما بسبب ان الناقل المشترك يحمل غازاً لاسرائيل وهو الغاز الذي تنقله مجموعة شركات استفادت كثيراً وطويلاً إلى أن جاءت الآن مرحلة أخرى لا تنفع فيها الحراسات الأمنية او العسكرية في سيناء طالما ان القرار السياسي أخذ في التحول ويقترب من قرارات القضاء والمحاكم المصرية التي تنفذ قراراتها قبل الثورة..
ما العمل؟..هل نبقى تحت رحمة أنبوب الغاز الذي يمتد برسم التفجير المستمر إذ أن تفجيره لم يكن للمرة الأولى أم نبحث جذرياً موضوع تزويدنا منفصلين عن الشراكة الاسرائيلية التي تثير الشبهات وتدفع لاستمرار المشاكل القائمة على التزود بالغاز..
كيف ننتقل من مرحلة نقل الرسائل للمصريين والحديث التقليدي معهم والذي ليس له إلا اجابات المجاملة حتى المسؤول المصري بدأ هو نفسه يخضع لمزاج الشارع ومسائلته ولم تعد يده طليقه كما كان الأمر في زمن النظام المخلوع..هل لدينا تصور جديد وما هو؟..هل يمكن انشاء خط منفصل يسبق التفرع الذي تأخذ اسرائيل منه الغاز المصري؟..هل يمكن الدخول مع المصريين في شراكة جديدة وعبر شركة او شركات أخرى أو حتى نفس الشركة بتفاهمات جديدة؟..ولماذا يجري ربطنا بالغاز المصري لاسرائيل في وضع يشبه القول «الجمل بدينارين والقط بمائتين والبيع على الاثنين» نريد لهذه المشكلة أن تنتهي بتدبر الخروج من مأزقها، فالكرة في مرمانا واسرائيل لديها البدائل والسيناريوات الجاهزة حتى قبل النسف الأول للخط وحتى قبل معركة الجمل في ميدان التحرير الذي خاضها النظام السابق المصري كآخر طلقة وأدركت اسرائيل يومها ان مصالحها مع مصر قد بدأت تضرب..
اسرائيل تعرف الحقائق وتعمل على التعامل معها ..لم تعلق..فهذا استحقاق جديد ستبدأ في دفعه في اكثر من موقع وبأكثر من ثمن فقد ضيعت فرصاً كثيرة على السلام وما زالت وما كانت تفرضه من استسلام يجري فضحه الآن بالغاز وبوسائل أخرى ما زلنا في أولها فماذا نحن فاعلون؟..وأين مصالحنا؟..وكيف نقدم حلولاً وبدائل يساعدنا فيها الأشقاء المصريون ويتفهمون موقفنا بوضوح وجدية!! (الرأي)