مسرح القسوة

تم نشره الثلاثاء 03rd أيّار / مايو 2011 02:14 صباحاً
مسرح القسوة
خيري منصور

 

 

لم يكن عسيرا على مؤرخين من طراز ديورانت أو توينبي أو جيبون وهو الذي أرخ لسقوط الامبراطورية الرومانية أن يرصدوا المرات التي توحش فيها التاريخ، وهي عديدة، وان كانت المآذن الذي بناها هولاكو من جماجم الناس واحدة منها، لكن القرن العشرين الذي وصف بأنه أقصر القرون من حيث الزمن لأنه بدأ مع الحرب العالمية الاولى وانتهى مع الحرب الباردة، كان أطولها بمقياس التوحش، حتى أن هناك ما يشبه الاجماع على أنه القرن الدموي بامتياز، وواقعنا العربي الذي لم يعرف غير القسوة مسرحاً لأحداثه يذكرنا بذلك المسرح العنيف الذي أسسه وأصدر بيانه الاول انطونين أرتو، وهو أشبه بالمصارعة الحرة اذا قورن بالمسارح الاخرى الاقل قسوة.. قبل أقل من شهر شهد العرب والعالم ومنه أطفالنا المهددون بمستقبل بالغ التوحش والقسوة لفرط ما شاهدوا وسمعوا رجلاً في ليبيا يقف أمام الكاميرا ويشهر في الهواء قلباً منزوعاً من صدر عدوه، وكان أشبه بالعودة التاريخية، يقابله على الفور رجل آخر يقتل رجالاً ونساء وأطفالاً، وعلى الشاشة ذاتها عرضت امرأة وهي تصرخ أمام الكاميرات بأن كتيبة من الرجال اغتصبوها تباعاً!

وليس مهما الآن فحص دوافع هذا المسرح العنيف، أو التحقق من صدقية الوقائع، فالأهم أنها عرضت على الشاشات تماماً مثلما عُرض ذات عيد أضحى وأثناء صلاة الفجر رئيس يشنق ويتدلى من حبل غليظ بحيث كان الاطفال ينظرون مشدوهين الى ذلك الرجل ويحدقون في عيون آبائهم الذين كانوا يهتفون له قبل عام أو اقل، والذين كانوا يزهون على اقاربهم وجيرانهم بصور التقطت لهم بجواره أو على بعد خمسين متراً منه.

ما شاهده وسمعه أطفال العرب خلال العقدين الماضيين يهدد تكوينهم النفسي ويدفعهم بقوة الى مسرح القسوة بحيث تصبح ثقافة الانتقام والتنكيل المتبادل والثأرية المبالغ فيها هي السائدة ويكفي في هذا السياق أن أذكر مثالاً عن تلاميذ المدارس في بلد عربي كانوا يسمعون طيلة الوقت من وسائل الاعلام في بلادهم أن الزعيم فلان.. عميل وخائن، وما أن حدثت مصالحة مفاجئة بين بلدهم وبلد ذلك الزعيم حتى استدار الاعلام مئة وثمانين درجة وحين طلب من هؤلاء التلاميذ أن يصطفوا في طوابير على طريق المطار لاستقبال ذلك الزعيم رددوا معاً وبلا وعي..

يعيش العميل فلان...

لأن ما علق بذاكرتهم وألسنتهم لم يكن من السهل حذفه خلال أيام..

وأحياناً تفصل أيام أو اسابيع أو شهور فقط بين التصفيق لزعيم وشنقه أو اقتياده الى زنزانة، ومن كان يوصف بأنه صلاح الدين الايوبي يوصف بعد ذلك بأنه أسوأ من ابن العلقمي، ومن كان يُرجم بالورد يُرجم بعد ذلك بالنعال أو الحجارة.. كم هُمْ مساكين أطفال العرب، لكن الفائدة الوحيدة التي يجنونها من هذه المشاهد السوريالية، هي فهمهم لماذا كان الأجداد القدامى يضعون آلهة من تمر ومن ثم يأكلونها!.

انه مسرح القسوة الذي لم يحلم بمثله آرتو الفرنسي، وان كان الآن في الهواء الطلق، ومشاهدته بالمجان!!.(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات