بن لادن.. والبحر

سواء اتفق البعض أو اختلف مع بن لادن -وهذا ليس موضوعنا- أعتقد أن الفيلم الهوليوودي "سيئ الإخراج " الذي تلاه الرئيس الأمريكي علينا صباح الاثنين، حول تمكن قواته من اغتيال "بن لادن " في باكستان، تنقصه الكثير من الدقة والمنطق، في ظل التصريحات والتسريبات التي انتهجتها ادارة اوباما بتبرير عدم إظهارها لأي تسجيل مرئي او عرض صور لعملية اغتيال "بن لادن " طيلة اليومين الفائتين.
اللافت في الأمر ردة الفعل الشعبية على نبأ مقتل " بن لادن "، حيث لم ترقَ الى مستوى الطموح الغربي تفاعلا، إذ بات واضحا أن غالبية المواطنين العرب الذين ألهتهم "الثورات العربية " لم يسلب ألبابهم خطاب اوباما والضجة الاعلامية التي اثيرت بعد نبأ مقتل زعيم القاعدة.
الغالبية العظمى مقتنعه بأن "بن لادن " مات قبل سنوات، أي منذ اختفى عن الانظار، فقصة اصابته بالسكري ومرض الكلى، ذاعت كثيرا وانتشرت بين العامة "إلا اذا كانت جزءا من الحرب النفسية للقاعدة "، فهم مقتنعون بأنه مات "جسدا وروحا " فعليا لأن تأثير القاعدة خفت عربيا منذ فترة طويلة بعد انحسار عملياتها في شرق آسيا، كما ان الإطاحة بزعيمين عربيين اشعلت جذوة الاهتمام لديهم بشؤونهم الداخلية وصرفتهم عما بات وهما متمثلا بخيال "بن لادن " وتنظيم القاعدة الذي تلاحقه امريكيا بهدف ابقاء حالة "الرعب " قائمة لأهداف تخدم مصالح امريكيا واسرائيل في المنطقة العربية.
امريكيا تعرف جيدا انها تحت غطاء "بن لادن " غزت العراق وافغانستان والسودان واليمن وليبيا وتهدد ايران، لأهداف مختلفة، ولذلك هدفها من إعلان موته كان للتأكيد على بداية مرحلة جديدة من العمل العسكري المبرمج تحت غطاء "الفوضى الخلاّقة " في اماكن اخرى لخدمة مصالح امريكا المتمثلة بصفقات السلاح وآبار النفط، وطبعا خدمة لحملة اوباما الانتخابية المقبلة التي بدأت بإعلان مقتل "ضالة " الأمريكان الاولى.
اخطاء كثيرة وقعت بها ادارة اوباما، كي تجعل المشاهد يصدق ان من تم اصطياده في العاصمة الباكتسانية هو "بن لادن ". فالصورة التي وزعتها وكالات الانباء واعتذرت عنها، اتضح انها مركبة بمهارة، ولم تكتف ادارة اوباما بذلك، بل سرعان ما اعلنت انها دفنت الجثمان في البحر وفقا للتقاليد الاسلامية في تحدٍ سافر، ولم يلبثوا طويلا حتى اعلنوا انهم اقاموا على جثة "بن لادن " صلاة الجنازة التي استغرقت (55 دقيقة) على متن حاملة طائرات، قبل ان يلقوا بجثته في قاع "بحر العرب " في صندوق مليء بالاثقال!!.
هذه الرواية ينقصها الكثير من "الحبك الدرامي "، لذلك يجب على الادارة الامريكية تقديم ادلتها على صحة ما ذهبت اليه، وإلا فإن السيناريو الاكثر صحة هو : إما أن "بن لادن " ميتٌ فعلا، وان ادارة اوباما وجدت جثته متحللة وبعد فحصها بـ "الحمض النووي "، قررت اعلان اغتياله لتكسب هالة كبيرة من الدعم والتأييد، أو أن "الأمريكان " تأكدوا انه تلاشى او اختفى بطريقة يصعب أن يعود بها للأضواء، فآثروا ان يلفتوا نظر العالم الى بطولتهم من خلال وهم اغتياله.
المطلوب.. تقديم ادلة ووثائق وبراهين تدعم وجهة النظر الأمريكية حتى نصدق ما قالوه لنا، بخاصة أن ادارة اوباما حضرت في "بث مباشر " عملية الاغتيال من واشنطن عبر الاقمار الصناعية.
كثيرون يتوقعون.. أن يخرج "بن لادن " في خطاب يكذب فيه موته، لا لشيء بل لإحراج اوباما وادارته العرجاء.