سلسلة من الحلقات المفقودة!!
اعتدنا أن نقول في كل مسلسل تتزاوج فيه الدراما مع الحبكة البوليسية ان هناك حلقة مفقودة ورغم استعارة هذا المصطلح من علم الاحياء ومن الداروينية تحديدا، إلا انه أصبح يعني شيئا آخر غير المرحلة بين القرد والإنسان. وما ان أعلن اوباما مقتل أسامة بن لادن بزهو من انتصر في الحرب العالمية الثالثة، حتى بدأت الروايات تتشابك، بحيث يتطلب فك هذا الاشتباك والانتهاء الى رواية حاسمة الكشف عن عدة حقائق بدءا من الدور الباكستاني سواء تعلق بالمخابرات أو بأي طرف آخر في التكتم على وجود أسامة بن لادن في منزل واضح المعالم وبالقرب من حي عسكري للضباط الباكستانيين.
مروراً بتفاصيل العملية التي سرعان ما كذبت الروايات بعضها حولها، فالرئيس الامريكي قال ان الفرقة المكلفة بتنفيذ المهمة عادت الى قواعدها سالمة، ليقول بعد ذلك شهود عيان من اسلام اباد وما حولها ان طائرة اباتشي تحطمت، وهي بالطبع لم تكن من طراز الطائرات بلا طيارين!
في هذا المسلسل بخلاف كل المسلسلات الاخرى ثمة حلقة وحيدة موجودة والسلسلة كلها مفقودة، وحين نسمع تعليقات أو نقرأ مقالات كالتي نشرت يوم أمس في النيويورك تايمز نجد ان هناك من الكتاب الامريكيين من حذر ادارته ووزارة دفاعه ومخابراته من المبالغة في تضخيم الانتصار الذي حققته الولايات المتحدة بسلاحها النووي ومكانتها الدولية وكل ما يجعلها أقرب الى امبراطورية على رجل هزيل.
ويرى الكاتب ان امريكا بهذا الافراط في تصوير الانتصار تصنع من أسامة بن لادن بطلا اسطوريا، وهذا بالطبع لغير صالحها، أما القاء جثة القتيل في خليج عدن، فذلك يتطلب عدة قراءات.. وهي على الارجح ستكون متباعدة وربما متناقضة، فاذا كان المقصود بذلك حرمان بن لادن من ضريح يتحول الى مزار لانصاره، فان البنتاغون لم ينتفع من كل ما كتبه المستشرقون الامريكيون عن هذه المنطقة وطقوس شعوبها، فالحلاج مثلا لا جسد له أو رفات، لأنه احرق وتحول الى رماد تناثر في الفضاء، لكن له ضريحا في حي علاوي الحلة ببغداد، زرته ذات يوم ولم أشأ ان أقول لحارسه العجوز الذي يحفظ أشعاره وحكاياته انه يحرس قبراً فارغاً..
سيمر الكثير من الوقت قبل ان يضاف الى الحلقة الموجودة والمعروضة بعناية اعلامية فائقة سلسلة من الحلقات المفقودة، لهذا بدأت الشكوك حول رواية مصرع بن لادن منذ الدقائق الاولى لنشر النبأ، وهنا لا أقصد أتباعه ومريديه.. لأن هؤلاء كالعادة يرفضون التصديق بأن الزعيم قد مات، بل أقصد محللين منهم فرنسيون وآسيويون نقرأ ما بين سطور تعليقاتهم الكثير من اشارات الاستفهام، وحين نقول ان أوباما أعلن الانتصار كما لو انه في حرب عالمية ثالثة، فان معنى ذلك باختصار أن المسافة بين الحرب العالمية الثانية وهذا العام أكثر من ستين سنة، بينما كانت المسافة بين الحربين العالميتين الاولى والثانية أقل من ثلاثين سنة، مما يدفعنا الى الاعتقاد بأن الحرب العالمية الثالثة التي لم تقع نوويا وبمقاييس كلاسيكية وقعت على صعيد آخر، وبأسلحة اخرى وحيثيات وقرائن مختلفة، ويذكرنا تحذير الكاتب الامريكي في النيويورك تايمز لادارة بلاده من المبالغة في تصوير الانتصار بما كتب مراراً عشية اسدال الستار على الحرب الباردة، بحيث بدت امريكا مضطرة للبحث عن عدو بديل حتى لو كان دولة صغيرة أو تنظيما أو حتى شخصاً ما..
ومقتل بن لادن، لا يعني ان العنف في العالم وكل التيارات الراديكالية بأطروحاتها المتشددة قد أصبحت في جوف الحيتان وأسماك القرش كجثة بن لادن نفسه، بقي أمامنا انتظار السلسلة من الحلقات المفقودة، لأن هذه الحلقة اليتيمة والمتلفزة لا تكفي ولا تسدل الستار على واحدة من أكثر الحكايات الدرامية في القرن العشرين وما أعقبه!!(الدستور)