اتفاق القاهرة .. عندما ينفض الحفل والمحتفلون ؟!
روح الخامس والعشرين من يناير، ترفرف فوق سماء اجتماعات المصالحة الفلسطينية، واستعراض قائمة المدعوين لحضور حفل التوقيع على اتفاق القاهرة، من فصائل وشخصيات ومسؤولين، فلسطينيين وعرب ودوليين، ينبئ بقرب استعادة مصر لكامل دورها و»لياقتها»...والحقيقة التي لا تخطؤها العين، هي أن التوصل لهذا الاتفاق ما كان ممكناً، لولا الانتصار المجيد لثورة يناير المجيدة....إنه الثمرة المباركة الأولى فلسطينياً، لثورة الحرية والكرامة والاستقلال المصرية المباركة.
أجواء القاهرة تغري بإطلاق العنان لمشاعر التفاؤل بمستقبل الاتفاق وتطبيقاته على الأرض...لا بل أن حضور «جزء» من المدعوين لحفل التوقيع، وليس جميعهم، كفيل بتوفير «شبكة الأمان» التي سبق وأن تحدثنا عن أهميتها القصوى في ضمان توقيع الاتفاق من جهة، ونقله إلى حيز التنفيذ من جهة ثانية...لكننا مع ذلك، نمسك على إشاعة مناخات التفاؤل غير الحذر، أولاً، لأن التجربة السابقة كانت قاسية جداً ومليئة بالمفاجآت وحقول الألغام...وثانياً، لأن الاتفاق المذكور مفخخ بالنواقص و»المطبّات»...وثالثاً، الوضع في المنطقة، مثقلٌ بكل الاحتمالات والسيناريوهات التي قد تساعد على استرداد الوحدة أو العودة للانقسام، سواء بسواء.
المشكلة الكبرى في اتفاق القاهرة الأخير، أنه مفرغ من السياسة، رؤية وبرنامجاً...ولا أدري كيف يمكن للعربة الفلسطينية أن تسير بحصانين، يندفع أحدهما باتجاه معاكس للآخر...حول هذه النقطة بالذات، سيظل يدور جدل كبير...هناك من يراهن على أن «السياسية الواقعية» لحماس لا تختلف كثيراً عن السياسة المعلنة لفتح...وهناك من يقول أن تأجيل ملفات الخلاف أمر ممكن في ظل غياب المفاوضات وتراجع فرص التسويات...وهناك من يتنبأ بأن لحظة اصطدام الرؤى والبرامج والخيارات، آتية لا ريب فيها، وأن المسألة مسألة وقت، قبل أن نرى المشهد برمته، وقد انقلب رأساً على عقب.
ومشكلة اتفاق القاهرة الأخير، أنه جاء خلواً من أية «آليات عملية» تمكّن الأطراف الفلسطينية من تجاوز «قوى الأمر الواقع» وتخطي «منظومة المصالح» المتضاربة التي نشأت هنا وهناك، على ضفتي الانقسام الفلسطيني، ففي نهاية المطاف، لا بد من حسم مسألة ازدواجية السلطة، حتى وإن كانت السلطة موزعة على الجغرافيا الفلسطينية، بل وحتى إن كانت «سلطة لا سلطة لها»...مشكلة الاتفاق تكمن في عجزه حتى الآن، عن الإجابة على الأسئلة المتعلقة بمستقبل الأجهزة الأمنية والجهاز البيروقراطي الذي نشأ هنا وهناك...»من سيسلم رقبته للآخر» إن جاز التعبير..كيف وبأي ثمن وشروط ؟!.
مشكلة اتفاق القاهرة الأخير، تتجلى أيضاً في تعقيدات مرحلته الانتقالية الطويلة نسبياً، والتي تتضمن اتخاذ سلسلة من الإجراءات والترتيبات التي يفترض أن تتم بصورة متزامنة ومتوازية...فحماس لن تسلم ما في يدها « سلطة أمر واقع» قبل أن تطمئن إلى مكانتها في النظام السياسي الفلسطيني بمجمله (المنظمة والسلطة على حد سواء)...وفتح لن تتخلى بسهولة عن استئثارها بمنظمة التحرير بعد أزيد من أربعين عاما من «القيادة المتنفذة» لها، وهي – فتح – وإن كانت تقبل بشراكة حماس لها في السلطة، ومن موقع أن المنظمة هي صاحبة الولاية السياسية العامة، إلا أنها ستقبل على مضض – هذا إن قبلت أصلاً - بأن تصبح حماس شريكاً لها في هذه «الولاية العامة»...هل هي مستعدة لدفع أثمان هذه الشراكة، والتصدي لخصومها ومعارضها من قوى إقليمية – إسرائيل- ودولية – الولايات المتحدة- وغيرها ؟!
في مرات سابقة، كان الاتفاق على الأمن، أجهزة واعتقالات وتنسيق، مشكلة المشاكل...وفي مرات أخرى كان مصير منظمة التحرير والاتفاق على فتح ملف إعادة هيكلتها وإصلاحها هو بيت القصيد..وفي جميع المرات كان الخلاف على البرنامج السياسي، وانعدام الثقة بين الجانبين، هو المفجّر لكل التناقضات الكامنة بينهما...فما الجديد هذه المرة، الذي يجعلنا والمراقبين عموماً، أكثر تفاؤلاً.
الجديد فلسطينياً، أن الطرفين بلغا طريقاً مسدوداً...خيار المفاوضات اصطدم بجدران الاستيطان المسدودة...وخيار المقاومة لم يعد ثمة ما يميّزه عملياً ويعطيه بريقاً جاذباً...ويبدو أن كلا الفريقين، وتحت وقع أزمته الخاصة وتداعياتها، قد قرر اللجوء إلى الآخر، والبحث لديه عن مخارج وحلول...لكن الحلول والمخارج لم تكن يوماً حصيلة جمع خيارين مأزومين...والخيارات المأزمة لا يكون حصادها سوى أزمة مركبة ومضاعفة...لكن المرجو في الحالة الفلسطينية، أن تصبح أكثر استعداداً بعد المصالحة، لتلقي التداعيات الإيجابية لربيع الثورات العربية، وهذا هو التطور الجديد الثاني عربياً، فالرهان اليوم معقود على ما يمكن للوضع العربي الشعبي، والرسمي الناشئ عن الثورات، أن يحدثه من «تماسك» و»صلابة» في المواقف الفلسطينية...الرهان اليوم، بخلاف الأمس تماماً، يبدو معقوداً على ثورة مصر ونظامها الجديد، المستند إلى أوسع جبهة إسناد من قبل الشعوب العربية المنتفضة في مختلف المدن والعواصم، مناديةً بالحرية والكرامة والسيادة...وهل يمكن لكل هذه المطالب أن تتحقق في ظل «العربدة الإسرائيلية»...هل ثمة كرامة لعربي، فيما إسرائيل تحتل الأرض وتستلب الحقوق وتدنس المقدسات؟...هنا الجديد، هنا الوردة فالنرقص هنا.(الدستور)