الثورة والثورة المضادة

قبل سنوات انتهيت مع الدكتورة هدى فاخوري من انجاز دراسة موسعة حول ما يعرف بالمنظمات غير الحكومية (التمويل الاجنبي) ودورها في الثورة المضادة وتوقفت الدراسة عند الادوات الاعلامية لها من فضائيات وصحف ومنابر اعلامية, وعند مصادر تمويلها المشبوهة مثل نيد وراند وفريدوم هاوس ومعهد واشنطن وفريدوم هاوس وهيئات تعليم (الثورات الملونة) وشعارها الشهير (سلمية سلمية) والمؤسسات التي ترعاها مثل اكاديمية التغيير في بريطانيا ووكالة ساتشي آند ساتشي التي عاد الصديق سماح ادريس للحديث عنها, والتي نظمت وادارت الثورة المضادة اللبنانية المعروفة بثورة الارز او الاستقلال, كما توقفت الدراسة عند فلاسفة الثورة المضادة مثل جين شارب وبيتر اكرمان (الكفاح المدني) وسوروس (المجتمع المفتوح) وعند الموضوعات المفضلة لديهم وعلى رأسها فصل قضية حقوق الانسان عن معركة التحرر القومي وفك التبعية.. الخ.
كما حذرت الدراسة من استبدال العمل الحزبي والنقابي بالعمل الشبكاتي ومراكز التمويل الاجنبي المختلفة, واستبدال السياسة والايديولوجيا بالبرامج الخدماتية والمطلبية.. الخ والاخطر من ذلك دور الهيئات المذكورة المشبوهة في تعليم النشطاء فن الضحك على الجمهور في الشارع وتعليمه طرق الاتصال الحديثة عن طريق الثريا وشبكات الكمبيوتر المتنوعة..
كل ذلك اذا كان اكتشافا عند البعض هذه الايام, فهو مسجل في الدراسة المشار اليها ولا يجوز ان يضعه احد في خدمة الانظمة البوليسية الفاسدة التي التقطت (هذا الاكتشاف) لتقول لنا (ارأيتم ما يحدث في الشارع, انها المؤامرة..)..
نعم المؤامرات الامريكية - الصهيونية واعوانها العرب لا تنتهي ضد هذه الامة وحقها في النهوض القومي والتقدم والديمقراطية وتحرير ارادتها واراضيها ولا تقاس شرعية اي شارع او سلطة او معارضة بعيدا عن ذلك, لكن ما يجري اليوم على الارض العربية تعبير عن قرف طال امده من الاستبداد والفساد ومن الضحك على الناس واستغفالهم بشعارات التنمية تارة والتحرير تارة ثانية فلا شهدت دولة واحدة تنمية حقيقية ولا قامت اخرى بتحرير شبر واحد, بل ان العكس هو ما حدث, مزيد من التبعية والفساد ومزيد من خسارة الارض والاحتلالات الاجنبية ومزيد من عبادة الفرد واحتكار السلطة سواء من قبل اشخاص او طبقات فاسدة او احزاب وفيما يخص دمشق التي تحتضن المقاومة العربية, فهي اولى من غيرها باصلاحات ديمقراطية حقيقية شاملة تعزز هويتها ودورها الممانع وتذهب الى منتصف الطريق مع الاحتجاجات الشعبية المشروعة وتفوت الفرصة على قوى الثورة المضادة من سرقة هذه الاحتجاجات وتحويلها الى ثورة (ملونة). (العرب اليوم )